توسيع تفويض «اليونيفيل» لإضعاف التحالف الحاكم ومحاصرة المقاومة في لبنان؟
د. عصام نعمان*
الولايات المتحدةُ، ومن ورائها «إسرائيل»، في صراع محموم مع إيران وحلفائها. الصراع يمتدّ على مجمل ساحات دول المنطقة، من شواطئ بحر قزوين شرقاً الى شواطئ البحر الابيض المتوسط غرباً.
لعل أكثر وجوه الصراع احتداماً ما جرى ويجري في لبنان، لا سيما في جنوبه حيث تتكرّر المواجهات الساخنة بين العدو «الإسرائيلي» وقوى المقاومة. «إسرائيل» حاولت أخيراً، ولأول مرة منذ حرب 2006، كسر قواعد الاشتباك مع المقاومة باستخدام سلاح الجوّ في عملية محدودة استهدفت أرضاً مفتوحة. المقاومة ردّت بعنف ضدّ مواقع «إسرائيلية» في منطقة مزارع شبعا اللبنانية المحتلة.
جولةُ القتال هذه انتهت لمصلحة المقاومة بتثبيتها قواعد الإشتباك (القصف مقابل القصف) وبإعلان العدو عدم رغبته في التصعيد.
هل انتهى الصراع عند هذا الحدّ؟
ظاهرُ الحال يوحي بذلك. لكن تحركات واشنطن، ومن ورائها تل أبيب، كما تحركات حلفائهما داخل لبنان توحي بأمور مغايرة. أين ومتى يمكن ان تتمظهر التحركات العدائية؟
في لبنان معضلة مزمنة: صراع أطراف نظام المحاصصة الطوائفية على السلطة والمصالح والنفوذ. تفجير مرفأ بيروت ومعه تداعي ثلث أحياء العاصمة المجاورة في 2020/8/4 أديا الى استقالة حكومة حسان دياب. منذ ذلك اليوم المشؤوم، لم يستطع أطراف المنظومة الحاكمة تأليف حكومة بديلة.
الفراغ الحكومي المتواصل يصحبه انهيار مالي واقتصادي واجتماعي، وتدهور متسارع في مستلزمات المعيشة حتى بات أكثر من نصف اللبنانيين، بحسب دراسات البنك الدولي ووكالات الأمم المتحدة، تحت خط الفقر.
واشنطن وحلفاؤها اللبنانيون يحاولون تحميل المقاومة (حزب الله) وحلفائه، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وجماعته، مسؤولية الانهيار والفراغ الحكومي. في المقابل، يشير معارضو السياسة الأميركية في لبنان والإقليم الى الولايات المتحدة وحلفائها المحليين والإقليميين بأصابع الاتهام. يقولون إنّ واشنطن وحلفاءها يتصرفون على نحوٍ يشير الى انهم لا يريدون تشكيل حكومة جديدة، وانهم يتسبّبون بالفراغ الحكومي ويستخدمونه وسيلة لتحقيق غرضين في آن: حمل الرئيس عون على الاستقالة، ودفع البلاد الى انتخابات نيابية مبكرة اعتقاداً منهم انّ ذلك قد يفضي الى إزاحة التحالف الحاكم الموالي في رأيهم لحزب الله.
فريق من معارضي أميركا وحلفائها يشير الى ما هو أخطر وأبعد مدى. يقول إنّ واشنطن تقارب قضايا المنطقة برمتها في سياق صراعها المحتدم مع إيران، وإنها تبتغي ترتيب الأوضاع السياسية في كلٍّ من العراق وسورية ولبنان وفلسطين المحتلة على نحوٍ يحقق لها الأغراض الآتية:
ـ إبقاء قسمٍ من قواتها المسلحة في العراق بصيغة مستشارين للتدريب العسكري والأمني، وضمان فوز جماعتها في الانتخابات المقبلة وبقائهم في السلطة.
ـ إعادة نشر قواتها في سورية على نحوٍ يبقي مناطق شرق الفرات، حيث منابع النفط والغاز والمساحات الزراعية الواسعة، في أيدي حلفائها من الكرد وغيرهم المناهضين للحكومة المركزية في دمشق.
ـ توحيد القوى السياسية المناهضة للرئيس ميشال عون والمتخوّفين من سيطرة حزب الله من أجل الفوز في الانتخابات وتأليف حكومة موالية للغرب عموماً ومعادية لإيران خصوصاً.
ـ التضييق على حزب الله وحلفائه في لبنان لمنعه من توسيع رقعة نشاطه وتحالفاته ويحول تالياً دون تعاونه مع سورية وحركتي «حماس» و»الجهاد الإسلامي» في فلسطين المحتلة.
ـ حماية امن «إسرائيل» القومي بمنع إيران وحلفائها في غرب آسيا من تطوير قدرات عسكرية وتكنولوجية متقدمة.
في هذا الإطار يخشى فريق من معارضي أميركا وحلفائها في المنطقة من إحتمال بازغ هو استغلال واشنطن مسألة تجديد تفويض القوة الدولية العاملة في جنوب لبنان «يونيفيل» المتوجب إنجازه قبل آخر شهر آب/ اغسطس الحالي من اجل إعادة النظر في مضمون التفويض وأغراضه.
يذكّر هذا الفريق المعارض أهلَ الحل والعقد بأنّ واشنطن حاولت اواخرَ شهر آب/ اغسطس من العـام المـاضي تعديـل التفويض المعطى لـِ «يونيفيل» بحيث تلعب القوة الدولية دوراً أكثر فعالية ضدّ ما أسمته «التهديدات التي تشكّلها إيران وحزب الله وفي مواجهة انتشار الأسلحة في جنوب لبنان».
واشنطن أخفقت السنة الماضية في توسيع تفويض «يونيفيل» على النحو الذي أرادته. لكن ثمة ما يشير الى أنها ستحاول مرة أخرى في هذه الآونة وإنما بصيغة جديدة. فهي تدرك مكامن الضعف في وضع لبنان حالياً من حيث تواصل الفراغ الحكومي، وتنامي تجمّع المعارضين لتحالف عون ـ حزب الله، وتصاعد الشكوى من تداعيات الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي ما يساعد، في تقديرها، على تمرير مسألة توسيع تفويض «يونيفيل» بحيث يتضمن الإجازة لوكالات الامم المتحدة ومختلف الدول الراغبة في مساعدة لبنان ان تفعل ذلك برعاية «يونيفيل»، اي ان تتعامل مباشرةً مع هيئات وجمعيات وقوى المجتمع المدني بمعزل عن الحكومة اللبنانية وما تبقّى من إداراتها ومؤسساتها. كل ذلك يؤدي، في تقديرها، الى توسيع إنتشار وحدات «يونيفيل» والى إضعاف التحالف الحاكم المناهض لأميركا وإزاحته تالياً عن السلطة، كما يؤدي الى محاصرة المقاومة إقتصادياً واجتماعياً.
غير ان ثمة عائقاً كبيراً من المرجح ان يحول دون تمرير هذه العملية المشبوهة. إنه ضرورة اقتران تعديل تفويض «يونيفيل» بقرار من مجلس الأمن الدولي. هذا الأمر يبدو مستحيلاً لأنّ الصين وروسيا، المتعاطفتين مع دول محور المقاومة، ستستخدمان حق النقض Veto ضده رغم حرص الولايات المتحدة على تغليف تعديل التفويض بطابع إغاثي وإنساني. وليس أدلّ على ان تعديل التفويض أمر مستبعد، إنْ لم يكن مستحيلاً، من أنّ قائد المقاومة السيد حسن نصرالله لم يأتِ على ذكره في حديثه الاخير.
بإختصار، لبنان ما زال على حاله: الصراع مستمر ومتفاقم بين اطراف نظامه السياسي الطوائفي، ولا بصيص نور في نهاية النفق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نائب ووزير سابق