هل عاد الأميركيون لصيغة جوار العراق؟ قمة المصالحات الإقليمية رغم العقوبات!
ناصر قنديل
– حسمت التأكيدات الرسمية صحة ما تمّ تداوله إعلامياً عن دعوات رسمية يقوم وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، لقمة تعقد في بغداد تحت عنوان دول جوار العراق للتعاون الأمني، بالتزامن مع توقيع إتفاق انسحاب القوات الأميركية القتالية، بعدما أعلنت بغداد أنّ زيارات وزير خارجيتها واتصالات رئيس حكومتها تتمّ في سياق التحضير لقمة تضم دول جوار العراق نهاية شهر آب الجاري، وقد شملت دعوة السعودية وتركيا والكويت حتى الآن ويفترض أن تشمل إيران وسورية والأردن قريبا، ولقيت تجاوب الرئيس الفرنسي للمشاركة في القمة، ورغم بعض التقديرات التي تقول إنّ الأرجح هو أن تستبدل القمة بلقاء يضم وزراء الخارجية والمسؤولين الأمنيين، لأن عقد قمم من هذا النوع لا تزال دونه عقبات كثيرة، يبقى أن التوجه بذاته يمثل تحوّلاً كبيراً في أوضاع المنطقة يستحيل حدوثه بمبادرة عراقية صرفة دون تنسيق مسبق، أو طلب مسبق من الأميركيين.
– سبق لواشنطن أن اعتمدت إطار لقاءات دول جوار العراق لحوار إقليمي غير مباشر مع سورية وإيران، ولا تبدو موافقة الرئيس الفرنسي على المشاركة والتشجيع بعيدة عن تلبية رغبة أميركية، خصوصا بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي الطازجة لواشنطن، كما لا تبدو الصيغة بعيدة عن الاستنتاجات الأميركية الخاصة بتسارع الإنهيار في أفغانستان، والحاجة لتنسيق يطال دول جوار العراق لحماية الصيغة القائمة على ما يسمّيه الأميركيون بإعادة الإنتشار الإقليمي، وإقامة قاعدة عسكرية في الأردن تستضيف القوات التي سيتم إخلاؤها من العراق، وربما من سورية أيضاً، دون التسليم بالانسحاب الكامل، من غير إتفاق كامل، لا يبدو متيسّراً مع إيران وقوى المقاومة، حتى الآن.
– القمة التي يفترض أن تضم سورية والسعودية وإيران وتركيا إضافة للأردن والكويت، ستمثل إذا عقدت، حتى على مستوى وزراء خارجية ومسؤولين أمنيين، أول لقاء علني رسمي بين ممثلي أغلب الدول المدعوة، فالعلاقات السعودية الإيرانية رغم الحوار الجاري مؤخرا، لم تظهر للعلن بعد، والعلاقات السورية السعودية الأقل تسارعا في مسار الحوار في حال جمود منذ سنوات رغم مؤشرات الإيجابية لإستئنافها، أما العلاقات السورية التركية فمجمّدة بفعل التورّط التركي المباشر في سورية، والعلاقات السورية الأردنية التي تنشطت وزارياً مؤخراً، لم تبلغ بعد مستوى العلاقات السياسية الواضحة، خصوصاً في ظلّ أحداث الجنوب السوري مؤخرا، والعلاقات السورية الكويتية لم تشهد تنشيطا يتيح مغادرة الجمود الممتدّ منذ سنوات ايضاً، وسورية التي ستشكل محور هذه القمة، يشكل حضورها شرط إنعقاد القمة لأنّ إيران لن تحضر بغياب سورية، وستفقد القمة أبرز ركنين معنيين بالأمن في العراق، وهو موضع القمة.
– القرار بالانفتاح على سورية من عدد من الدول المشاركة يناقض ما سبق إعلانه عن نصائح أميركية بتجميد العلاقات معها، خصوصاً بعد الإنتخابات الرئاسية السورية، وكان واضحاً انّ الرسالة الأميركية تستهدف العلاقات السعودية السورية والإماراتية السورية، وانعقاد لقاء وزاري تشترك فيه سورية يكفي لإعلان سقوط مفهوم المقاطعة والحصار، ويطعن نظرية العقوبات، لأن العنوان الثاني للقمة هو التعاون الإقتصادي، ولعله من الملفت أن نسمع حماسة فرنسية للمبادرة العراقية، وسيصير الأمر مفاجأة أنّ عقد اللقاء على مستوى القمة وحضره الرئيس الفرنسي، كما أعلن، وهذا في حال حدوثه يعني ان زمن التحوّلات الكبرى قد بدأ، وان المنطقة دخلت مرحلة جديدة سياسياً وأمنياً وإقتصادياً، فلا يُعقل أن ترضى سورية بالمشاركة في لقاء يشارك فيه الأتراك دون أن تكون بين يديها ضمانات مسبقة تتصل بتغيير جوهري في التعامل التركي مع الواقع السوري.
– الأهمّ من اللقاء الوزاري، والشديد الأهمية إذا تحققت القمة، هو المفاوضات الحثيثة التي ستسبق الإنعقاد، حتى لو تأجّل الموعد فهو لا يعني إحباطاً، بل مزيداً من الوقت لإنضاج التفاهمات وإزالة التعقيدات، ولقاءات غير علنية تضمّ الأطراف المعنية تمهيداً ربما للقاء أول على مستوى وزاري وأمني، يعقد في الخريف، وقمة تعقد مع نهاية العام، كما تقول التقديرات، وهذا وحده يعني رسم خريطة جديدة للمصالحات والتسويات التي تشكل الدعوة العراقية بذاتها إيذاناً بإنطلاقها.