محاولات التحوّل من حائر إلى قائد
سعادة مصطفى أرشيد _
يحتاج نفتالي بينيت رئيس وزراء (إسرائيل) الهابط من عالم الإعمال والتجارة إلى عالم السياسة، أن يبدو بمظهر قوي، قادر على الاشتباك وتحقيق انتصارات عزيزة وبعيدة عن قدراته، وهو قد تسلّم الحكم من بن يامين نتياهو المتمرّس والذي استطاع حفر اسمه عميقاً في تاريخ دولته القصير، بما يملك من دهاء وقدرات استثنائية، وها هو مستمر في دوره كقائد للمعارضة، قادر على نصب الكمائن وإحاكة المؤامرات بهدف إسقاط خصومه الكثر، الذين لا يجدون ما يجمعهم سوى رغبتهم في إخراجه من عالم السياسة سواء كرئيس وزراء أو كزعيم معارضة، ومن جانب آخر، فإنّ الأغلبية البرلمانية الداعمة للحكومة هشة وهزيلة وقابلة للسقوط إنْ خرج عضو واحد من التحالف، لا بل انْ غاب عن جلسة برلمانية بدواعي المرض أو السفر أو حتى إنْ تأخر بسبب أزمة سير، والدعم الذي يتلقاه بينيت من الإدارة الأميركية على أهميته للبقاء، وكيديته المفرطة تجاه نتنياهو، إلا انه غير قادر على رسم صورة الزعيم القوي.
حاول بينيت الدفع باتجاه الاشتباك مع إيران متخذاً من حوادث السفن ذريعة لإقامة تحالف انجليزي – أميركي – (إسرائيلي) وبالطبع عربي، ولكن الإدارة الأميركية كان لها رأي آخر، فهي تريد الابتعاد عن المنطقة ومشاكلها والتركيز على الصين وبحرها وطريق حريرها السياسي والاقتصادي، وهي ترى أنّ عدم الوصول إلى اتفاق مع إيران، أمر يضرّ بخططها الإستراتيجية، فيما الوصول إلى كلمة سواء وصيغة مقبولة للتعامل مع إيران أمر بالغ الضرورة، خاصة لدرء مخاطر تحول إيران وانفتاحها بشكل واسع على الصين وروسيا وكوريا الشمالية، فكان لا بدّ لنفتالي بينيت ان يبتلع أقواله واتهاماته، ومعه الانجليز الذين تخلوا عن حذرهم التقليدي وبالغوا في حماستهم للمواجهة مع إيران، ولكن ذلك أمر لم تدركه حتى الآن بعض فضائيات الخليج مثل «العربية» و»الحدث» ومثيلاتهما، التي لا تزال تنفخ في نار المواجهة .
رأى بينيت أنّ لديه فرصة في لبنان، فالوضع الداخلي قد بلغ مرحلة حرجة من التدهور، تشكيل الحكومات يتعذر ويتعرقل بفعل داخلي وضغوط خارجية، وتحقيقات قاضي تحقيق تفجير المرفأ تثير من الغموض أكثر مما تكشف من حقائق، وفي مشاريع الفتنة والشقاق أخذت تصدر عن مرجعيات دينية – طائفية عليا، كان آخرها ما صدر عن بكركي، وسعر صرف الليرة ينهار برعاية حاكم مصرف لبنان ودولته المالية العميقة، وقد أوصل اللبنانيين إلى حدود العوز والفاقة، فيما نفذت الأدوية والمستلزمات الطبية من سوق الدواء بعد أن توقف استيرادها بسبب عدم توفر النقد الأجنبي، والإشكالات اليومية غير البريئة تؤذن في حال لم تتمّ محاصرتها من فورها بالتطور نحو اشتباك واسع قد يصل إلى الحرب الأهلية، كما حصل في الشمال وخلده وشويّا. مجموع هذه المعطيات جعلت من بينيت يفكر بتجريب حظه مع لبنان ومقاومته، ويفترض أنّ بإمكان جيشه الاشتباك مع إيران من هذه الخاصرة، وأنّ باستطاعته أيضاً العودة إلى مرحلة ما قبل حرب 2006، عندما كان «الإسرائيلي» يملك القدرة على توجيه ضرباته إلى لبنان عند كلّ حاجة أمنية أوسياسية، أو حتى عند أيّ شعبية انتخابيه مؤقتة، وذلك عندما يفرض قواعد اشتباك جديدة من موقع القوي، بدل قواعد الاشتباك المعمول بها منذ أكثر من عقد ونصف العقد.
اخذ بينيت قراره، وأخذت المقاومة إجراءها التحذيري، والنتيجة أنّ الاشتباكات بين المقاومة اللبنانية و(إسرائيل) بقيت محدودة والقصف المتبادل على جانبي الحدود طال مناطق غير مأهولة، وأرست المقاومة في نهاية الاشتباك بردودها الحاسمة قواعد الاشتباك المعمول بها، يضاف إلى ذلك أن الإدارة الأميركية، وإن كان لا مانع لديها من تغيير قواعد الاشتباك لصالح (إسرائيل) وربما ترغب في ذلك، إلا أنّ لديها كما ورد آنفاً، ما يدعوها لان تكون راغبة عن هذا التوتر، ثم ترى أنها مطمئنة إلى تموضعها الجديد، وبما صنعت من عوامل اقتتال داخلي وما زرعت من صواعق تفجير في بلادنا، كفيلة بظنّ الاستراتيجية الأميركية على إبقاء المنطقة غارقة في صراعاتها التي تحول دون قيامها بأي فعل ايجابي لصالح قضاياها الكبرى وأمنها القومي .
لما كان نفتالي بينيت قد فشل في استغلال حادث السفينة، وفشل في تغيير قواعد الاشتباك مع لبنان ومقاومته، فهل يجد ضالته في غزة؟ وهي التي خسرت جزئياً مع خسارة حركة النهضة موقعها في تونس، ولا تجد حماساً عالياً لدى الأتراك مؤخراً، ولا يعطيها حليفها القطري أكثر من حقيبته الشهرية، ولم تستطع أن تحوّل انتصارها في حرب «سيف القدس» إلى إنجازات على الأرض، فيرفع الحصار عنها، وتصلها الكهرباء ووقودها، ويُعاد إعمارها، وغير ذلك مما تعهّد به الوسيط المصري الذي لدغ غزة ومقاومتها لا مرتين فحسب.