اتركوا الشعب يعيش…
} علي بدر الدين
انفجار خزانات المحروقات في بلدة التليل العكارية لم يحصل بفعل خطأ تقني، او قضاء وقدر، من دون ان يعني ذلك استباقاً للتحقيقات القضائية، أو إصداراً لأحكام مسبقة ومبرمة، لكن يكفي ان يشكل احتكار المحروقات وتخزينها وبيعها في السوق السوداء وحرمان الشعب منها وقهره وإذلاله ودفعه بقوة الجشع والاحتكار، والوقوف في طوابير الذل لساعات طويلة، وفي حمل «غالوناته» معه أنى توجه في سيارته او دراجته النارية أو عجلته الهوائية او حتى سيراً على الأقدام، بحثاً عن مادتي البنزين والمازوت، من دون جدوى، وكأنه يبحث عن إبرة في «كومة قش»… كلّ ذلك يشكل أسباباً كافية لتوجيه الاتهام لشياطين الاحتكار و»أبالسته» الذين خزنوهما تحت «سابع أرض» لبيعهما في سوقهم السوداء، كتاريخهم الأسود، وقد ألبسوا الناس السواد حزناً على ضحاياهم الأبرياء الذين سقطوا في انفجار التليل في عكار، وأمام المحطات وعلى الطرقات، وهم ينتظرون دورهم لتعبئة «خزانات» سياراتهم بالقليل من البنزين، ويدفعون ثمنه دماً ودموعاً وقهراً وإذلالا، في حين أنّ القوى السياسية السلطوية الحاكمة شريكة ومتواطئة ومتهمة، وهي المسؤولة مباشرة او غير مباشرة عن خراب البلد وتدميره، وعن قتل الناس وإفقارهم وتجويعهم.
الأنكى، أنها بعد كلّ انفجار وسقوط الضحايا وسيلان الدماء، تهبّ جوقات التطبيل والتزمير أصالة أو بالوكالة من كلّ حدب وصوب، وتسخر الإعلام بكلّ وسائله ومنابره لإطلاق أبواقها لسيل من المواقف والتصريحات الشاجبة والمستنكرة والترحّم على من قضى في حفلات جنونها وفسادها وصراعاتها على التحاصص في الحكم والحكومة والسلطة والاقتصاد والمال والنفوذ. أكثر من ذلك فإنّ هذه المنظومة السياسية السلطوية تقتل الناس وتمشي بكلّ وقاحة خلف نعوشهم، وتبدع وتبرع في ضخ الكذب والنفاق، وفي استغلال الأحزان والمشاعر، ثم تبدأ برشق الإتهامات وتحميل المسؤوليات المتبادلة، وإطلاق الدعوات إلى استقالة هذا المسؤول أو ذاك، إلى آخر معزوفة الرياء لتبرئة نفسها من الدماء التي سالت والأرواح التي أزهقت ومن الجثث التي احترقت وتفحّمت وتقطعت وملأت المكان.
لا أيها الحكام المتسلطون، جميعكم متهم، وجميعكم مسؤول (من دون انتظار التحقيق) عن نهر الدماء الذي يتدفق من كارثة انفجار مرفأ بيروت وصولاً الى بلدة التليل في عكار المنسية والمغيّبة والمحرومة ككلّ مثيلاتها، ولا توجد فيها أدنى مقومات الحياة التي تليق بالإنسان مروراً بالضحايا الذين سالت دماؤهم، وزهقت أرواحهم، وهم يقفون في طوابير الذلّ على محطات المحروقات، على طريق بيروت الجنوب أفراداً وعائلات (عائلة حويلي، الزوجة فاطمة قبيسي وبناتها الأربع، والسائق) وعلى طريق خلدة وفي طرابلس وكلّ المناطق، حيث الإشكالات والتضارب بالعصي والسكاكين وإطلاق الرصاص وما ينتج عنها من إصابات بالعشرات والتأسيس للعداوات والكراهية بين أبناء البلدة الواحدة.
أليست السلطة السياسية الحاكمة، هي المسؤولة عن أسباب الموت المجاني على الطرقات وأمام المحطات، وعن النتائج والتداعيات؟ ألسيت هي من حوّل الفساد الى ثقافة ونهج وشطارة؟ أليست هي من عقد الصفقات وسوق وأقرّ المحاصصة في كلّ جامد ومتحرك في الدولة وعلى مساحة الوطن؟
كفى تسلطاً ونهباً وفساداً واستبداداً وإذلالاً لهذا الشعب المسكين الذي أخطأ وأجرم بخياراته السياسية والإنتخابية واختاركم لتمثيله وهو من «جلب الدببة والغيلان والحيتان إلى داره وكرمه». إخجلوا، إذا كان لديكم ذرّة من خجل، واعتبروا واتعظوا واعترفوا بمسؤولياتكم عن كلّ ما سبّبتموه من موت وآلام وفقر وجوع لشعبكم، لأنكم كلكم او معظمكم في المسؤولية سواء، عن ما حلّ من كوارث ومآس ومعاناة وانفجارات وضحايا ومعوقين وخراب، وانّ تبادلكم للاتهامات عن المسؤولية مردودة عليكم، ولن تنفعكم أو تبرّئكم، ولن يخدمكم النفاق والتزوير ولن يزيد من شعبيتكم، لأنّ الشعب بات على قاب قوسين من الوعي ورفع منسوب صوته في مواجهتكم ولفظكم إلى المكان الذي يليق بكم. وأعلموا أسواقكم السوداء وتجارها ومحتكريها وصناعها، أنّ احتكاركم وتخزينكم للمحروقات والدواء والغذاء والرغيف سيحرقكم بنارها وسينقلب سحركم عليكم وتحوّلكم إلى وقودها والى سلعة منبوذة من سلعها، وستعرضون فيها للبيع من دون ان تجدوا من يشتريكم لأنكم أصبحتم لزوم ما لا يلزم، وقد انتهت صلاحيتكم او هي على بعد أسابيع أو أشهر قليلة.
طفح كيلكم، استقيلوا، ارحلوا، موتوا، وخذوا معكم أموالكم وعقاراتكم ونفوذكم، وكلّ ما كسبت أياديكم الملوّثة وما اغتصبتموه وسلبتموه وراكمتموه من ثروات ومجوهرات وعز ومجد وسلطة. اتركوا الوطن والشعب، غير مأسوف عليكم، وغوروا في «ستين داهية» لأنّ مأواكم جهنم وبئس المصير. ونقول ونكرّر «من تحت إبطه مسلة او حتى إبرة فلتنعره». وخلص الحكي…