هل حوّلنا الطاقة البديلة إلى مشروع وطني؟
طارق الأحمد*
لا شكّ أنّ ورود فقرة مُسهبة في خطاب القسم للرئيس بشار الأسد حول التحوّل إلى الطاقة البديلة، يعني أنه رسم سياسات عليا للدولة في المرحلة المقبلة، وإلا لكان مجرد تقرير عابر على التلفزيون.
هذا الأمر يستوجب الوقوف عنده لتشريح متطلباته الفعلية ومناقشتها بجدية ومسؤولية تواكب هذا الإعلان. وهنا تبرز نقاط عدة للنقاش:
أولاً: السياسات التمويلية
لا يمكن أن ينجح مثل هكذا مشروع وطني كبير من دون رسم خريطة تمويل شاملة وواقعية تبدأ من وضع إمكانات لتقديم قروض طويلة الأجل لأكثر من 10 سنوات من دون فوائد لكلّ من يريد تركيب هذه المنظومات وبنسبة تمويل تفوق 80٪، حيث لا يستطيع الأفراد القيام بهذا العبء من ناحية، وهذا الأمر يوفر مبالغ طائلة تدفعها الدولة أصلاً من فاتورة دعم الطاقة ويذهب حوالى النصف منها كفاقد فني وتعديات، إذاً فهو رابح للدولة وهو استثمار جيد للمال، كما يمكن التشريع للنقابات والتأمينات لاستثمار أموالها العامة في هذه المشاريع كونها أثبتت جدواها ويسر إدارتها كأموال عامة.
إذاً الدعم مطلوب، حتى ألمانيا قدّمت نوعين من الفوترة لكي تشجع الناس على هذا الاستثمار الذي يمتاز بأنه باهظ التكلفة عند التأسيس لكنه يوفر ثمن الوقود على المدى البعيد.
ثانياً: البحث والفحص العلمي
إنّ مشاريع الطاقة المتجدّدة ليست مجرد شراء لواقط شمسية وبطاريات بل لدينا أيضاً طاقة الرياح والطاقة الحيوية من الغاز الناجم عن تخمير النفايات بأنواع عديدة، عدا عن أنواع أخرى والعلم مفتوح لها، وهنا نحن نتحدث عن النوعين، المزارع الكهربائية الكبيرة للبيع للدولة عن طريق الشبكة العامة، أو المجموعات الصغيرة الكافية لتوليد الكهرباء لحاجة منزل أو مزرعة أو مصنع. هنا لا بدّ من جهة علمية محكمة تستطيع ليس فقط ضبط هذا المشروع الوطني الكبير بتشعُّباته الهائلة والإشراف الفني عليه، بل أيضاً حفظ حقوق المواطنين من التلاعب بجودة المواد وغيرها وهي مكلفة جداً. لدى التساؤل عن الجهة الرسمية القادرة على تنفيذ هذا المشروع، لو دُعِمت بالإمكانات اللازمة، سنجد أنّ الهيئة العليا لبحوث الطاقة ومقرّها دمشق هي الأقدر على هذا الأمر في حال تمّ دعمها بشكل كبير يُوزاي ما يُطلب منها، لكننا للحقّ تفاجأنا وبدلاً من تكبير إمكاناتها وصلاحيتها، وهي التي تتمتع بعلاقات علمية مع العديد من الهيئات العلمية والبحثية حول العالم، بأنّ هناك قراراً بتقليص دورها وجعلها دائرة في وزارة الكهرباء بصلاحيات محدودة!
هذا الأمر، في رأيي، يتطلب مراجعة عاجلة جداً، وأن يُدرَس الأمر من النواحي الاختصاصية الفنية وليس الإدارية البحتة، لأنّ له تشعُّبات تتعلق بالتكنولوجيا وتوليدها واستيرادها واستيلادها وتوطينها ودعمها واختبارها، وهو عمل ضخم جداً يتناسب، كما ذكرنا، مع حجم ذكره في خطاب القسم كتوجه اقتصادي رئيسي للدولة وهو، إن حصل فعلاً بالشكل الصحيح، فإننا سنستفيق بعد سنوات قليلة على بلد نظيف يعتمد الطاقات المتجدّدة، مع قدرة تنافسية عالية في الاقتصاد، والأمر يستحق فعلاً وضعه في هذه المنزلة من الأهمية.
ثالثاً: دعم الاختراع والإبداع
مشكلة هذا القطاع أنه يعتمد على استيراد أكبر كمّ من المواد الداخلة فيه مثل الخلايا الشمسية والبطاريات والإنفرتر إلخ… وهذا أمر يرهق الاقتصاد الوطني، ولكن ورغم كلّ ما كنت أكتبه بأنّ إحدى علائم التخلف في مجتمعاتنا هي الاستهزاء العام الذي يلاقيه كلّ مبدع ومخترع في وطنه، وحتى من أفراد عائلته أحياناً، وثم من المسؤولين وأصحاب رؤوس المال، وتلك سمات المجتمعات المتخلفة بحيث لا يجد المبدع غير الهجرة سبيلاً، وسرعان ما يبدأ من سخروا من إبداعه أنفسهم وهم قربه، في المباهاة عند نشر أخبار تفوّقه في ألمانيا أو كندا مثلاً بعد أن يهاجر، بحيث لا يحصدون سوى نتائج الخيبات وفقد الأمل.
لذلك، وها هنا بالتحديد، فإننا ندعو كلّ الجهات المسؤولة القادرة على فتح باب التمويل والتشجيع للإبداع والاختراع الداخلي، لأنه سيوفر الملايين مما يتمّ استيراده فعلاً من بدائل محلية، ونقول لهم: ثقوا بأبناء وطنكم لأنّ فيهم كلّ إمكانات الحقّ والخير والجمال، ولدينا الكثير من الأمثلة على ذلك من مخترعين قادرين على إنجاز الكثير، على الأقلّ هنا في مجال توليد الطاقة بإمكانات محلية، ويمكن ذكرهم في مجالات مناسبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عميد الاقتصاد في الحزب السوري القومي الاجتماعي