التغلغل الصهيوني في أفريقيا… وحتمية إجهاضه
د. جمال زهران*
فوجئ العالم بقرار رئيس مفوضية السلم والأمن للاتحاد الأفريقي (موسى فقي محمد)، بقبول الكيان الصهيوني (إسرائيل)، عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي، واستقبل على الفور السفير «الإسرائيلي» لدى أثيوبيا (أليلي أدماسو)، الذي قدّم أوراق اعتماده كمراقب في الاتحاد الأفريقي، وذلك بمقر المنظمة في أديس أبابا، يوم 22 يوليو (تموز) 2021! وقد قام رئيس المفوضية بفرض الأمر الواقع على دول القارة البالغ عددها (54) دولة، بقرار انفرادي أحادي، حسب ردّ الفعل الصادر من دولة جنوب أفريقيا! وقد سادت حالة صمت مطبقة في كل أنحاء أفريقيا سواء الدول العربية بالاتحاد أو بقية الدول جنوب الصحراء في بقية أنحاء القارة! إلا أنّ الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل فوجئنا أيضاً بعدد (14) دولة أفريقية، لم يكن من بينها دولة عربية، تعترض على القرار بصوت عال. وتبعتها مواقف سبع دول عربية، قدّمت مذكرة اعتراض رسمية، على القرار وهي (الجزائر – مصر – تونس – جزر القمر – جيبوتي – موريتانيا – ليبيا)، ولم يشمل قرار الاعتراض العربي بقية الدول العربية الأفريقية منها (المغرب، والصومال والسودان) على وجه التحديد!! وقد تعكس ذلك حالة التخبّط على المستوى العربي، وعدم وجود تنسيق عالي إزاء القرار الأحادي الذي اتخذه رئيس المفوضية! وقد أثار هذا القرار حفيظة دولة الجزائر بشكل واضح، وتمكنت من خلال وزير خارجيتها النشيط (رمضان لعمامرة)، من تعبئة الدول السبع بالتنسيق مع مصر – حسبما توافرت المعلومات لدَّي – للاعتراض على القرار، وتقدّمت بمذكرة رسمية، تضمّنت أنّ هذا القرار يتعارض مع ثوابت الاتحاد الأفريقي في دعم القضية الفلسطينية، وسبق للاتحاد وعلى أعلى مستويات صنع القرار، أن أصدر مقررات واضحة تعبّر عن موقفه الثابت الداعم للقضية الفلسطينية، وللشعب الفلسطيني، كما تضمّنت هذه المقررات إدانة الممارسة السيئة للكيان الصهيوني، بكافة أشكالها التعسفية ومن بينها التمييز العنصري، في حق الشعب الفلسطيني. ومن ثم فإنّ مثل هذا القرار الانفرادي من رئيس المفوضية بالاتحاد، يتعارض مع المصلحة العليا للاتحاد وأعضائه، وقيمه، ومثله، ومواقفه، ومقرراته منذ أن كان هذا الاتحاد، هو منظمة الوحدة الأفريقية التي كانت تأسست في (1963).
وشن وزير خارجية الجزائر (لعمامرة)، حملة غضب شديدة، تضمّنت تصريحات واضحة لا لبس فيها، تدين رئيس المفوضية، واتهمه صراحة بأنه أصدر قراراً معيباً، من دون مشاورات موسعة ومسبقة مع الدول الأعضاء، وهو يعلم أنّ مثل هذا القرار كما أنه يغضب الدول العربية الأفريقية، بل وبقية الدول العربية أعضاء جامعة الدول العربية، فإنه يسيء للاتحاد الأفريقي وتاريخه الطويل في مساندة حركات التحرر والاستقلال، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وشعبها الحر المقاوم.
كما أنّ وزير خارجية الجزائر، أشار إلى محاولات رئيس المفوضية لتوضيح الأمر، فإنه يدين نفسه بردّ الفعل، بأنه يأتي في سياق الدفاع عن النفس، دون معرفة عواقبها. وقد كان التصريح الأكثر خطورة عن وزير خارجية الجزائر، هو أن هذا القرار، قد يكون له تداعيات خطيرة، في مقدمتها تقسيم الاتحاد الأفريقي وتفككه، وهو ما تريده «إسرائيل» أصلاً..
وعلى أية حال، فإنّ قرار رئيس المفوضية للاتحاد الأفريقي، هو قرار معيب ومخالف لدستور الاتحاد الذي يقصر العضوية على أن تكون الدولة منتمية للقارة الأفريقية جغرافياً، بينما مقاعد الأعضاء المراقبين، مخصصة للمنظمات ذات الصلة بالاتحاد سواء داخل القارة أم خارجها. ومن أمثلة ذلك الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، أو منظمات أفريقية مثل «الكوميسا» وغيرها، فيمثلها عضواً مراقباً سواء بشكل رسمي أو بالحضور والمشاركة في المؤتمرات المختلفة! والسؤال ما هي حيثية الكيان الصهيوني لكي يكون «عضواً مراقباً» في اتحاد يضمّ الدول المنتمية للقارة الأفريقية؟!
والتفسير عندي، هو أنّ منح هذه العضوية للكيان الصهيوني، بقرار انفرادي أحادي من رئيس المفوضية، يحمل شبهات سياسية، بإقحام هذا الكيان والذي تمثله دولة مارقة، تسحق الفلسطينيين وتنكل بهم، في الشأن الأفريقي، ويترجم ذلك التغلغل الصهيوني في القارة الأفريقية، بل ويدعم وجودها وانتشارها في القارة، بلا التزام بدستور الاتحاد أو تقاليده منذ إنشاء المنظمة في 1963، وحتى اليوم (ما يقرب من (60) عاماً). فانتهاك رئيس المفوضية الذي أصدر قراراً بخلع صفة «مراقب» على الكيان الصهيوني، هو انتهاك للدستور الأفريقي، وانتهاك لمبادئه وقراراته، وانتهاك للانتماء الأفريقي ولحمته.
كما أنه يحمل مجاملة فجة، للكيان الصهيوني، وإتاحة الفرصة له للتدخل في الشأن الأفريقي وبخاصة أزمة سد النهضة (الخراب) بين مصر والسودان وأثيوبيا، بعد التقول بأنّ حلّ الأزمة بيد الكيان الصهيوني!! وصمتت مصر الرسمية، والسودان الرسمية إزاء هذه الأقاويل! وأصبح واضحاً أنّ دولة المقر (أثيوبيا)، لها من التأثير الواضح على القرار في الاتحاد عبر مؤسسة المفوضية على وجه الخصوص. وقد أرادت أثيوبيا الاستقواء بالكيان الصهيوني، وأميركا في الخلف، تحقيقاً لمصالحها السياسية، والإضرار العمدي بدولتي المصب (السودان/ مصر).
واتفق مع وزير خارجية الجزائر المقاومة، بأنّ هذا القرار لو لم يتمّ التراجع عنه وإلغاؤه فوراً، فإنّ تداعياته على لحمة الاتحاد وقوّته سيكون حاسماً، وسيكون التفكك من نصيب الاتحاد الذي أصبح له مركز دولي يتزايد نفوذه ومكانته. وقد تجيب الأيام المقبلة وتكشف المزيد من التفاصيل، حول هذا الموضوع، لا أسكت الله لكي صوتاً.. أيتها الدول المعنية بشكل مباشر، بهذا القرار!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.