هزيمة أميركا في أفغانستان: سقوط نظرية «نهاية التاريخ» وتأكيد نهاية المستعمر والمصير المحتوم للعملاء
} حسن حردان
هزمت القوة الأميركية وسقطت هيبتها وتحطم جبروتها مجدداً، وهذه المرة في أفغانستان فخرجت، بعد 20 عاماً، مذلولة تجر وراءها أذيال الخيبة والشعور بالمرارة، متخلية عن عملائها الذين تركتهم لمصيرهم.. انه الدرس الذي يتكرر ويتأكد عبر الأزمان والعقود، الاحتلال والاستعمار مهما طال فإنه لابد سيهزم أمام مقاومة وارادة الشعوب التواقة للتحرر.. ودرس أفغانستان جاء ليتوّج دروس انتصارات المقاومة الشعبية والمسلحة في الجزائر وفيتنام والصين واليمن والعراق وجنوب لبنان وقطاع غزة إلخ… كما جاءت هزيمة القوة الأميركية الاستعمارية، التي صوّرت بأنها كلية الجبروت، لا يمكن قهرها، عندما غزت العراق، جاءت لتؤكد سقوط نظرية فوكوياما حول نهاية التاريخ وانتصار الرأسمالية الأميركية، على اثر انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي.. كما جاءت لتؤكد حقيقة النهاية المؤكدة للاستعمار، والمصير البائس والمحتوم لكل من راهن ويستمر بالرهان على التعامل مع المحتل والمستعمر الأميركي الذي يثبت مجددا انه عندما يهزم سرعان ما يتخلى عن عملائه ويتركهم يواجهون مصيرهم.. وهو ما عكسته مشاهد الإذلال التي تعرّض لها عملاء أميركا في مطار كابول وهم يحاولون التعلق بالطائرات الأميركية الراحلة مع الدبلوماسيين والرعايا الأميركيين وكلابهم، تاركة هؤلاء العملاء الذين خدموا القوات الأميركية يواجهون مصيرهم وحدهم.
على أن ما حصل يؤكد ما يلي:
اولا، من يقول ان ما حصل ليس هزيمة أميركية وإنما يندرج في سياق اتفاق أميركي مع طالبان لتحويل أفغانستان إلى بؤرة لتصدير الفوضى والإرهاب لكل دول الجوار، ان من يقول ذلك يغفل حقيقة أهداف الغزو الأميركي لأفغانستان وفشل واشنطن في تحقيقها بفعل مقاومة طالبان وغيرها من القوى الأفغانية مثل الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار.. فأميركا لم تغزُ أفغانستان وتبقى فيها مدة عشرين عاماً من أجل محاربة الإرهاب، وإنما استغلت أحداث ١١ أيلول لشنّ الحرب من أجل تحويل أفغانستان إلى قاعدة أميركية للتآمر على إيران والصين وروسيا وَمنعهم من عرقلة وإحباط مشروع الهيمنة الأميركي الأحادي على العالم.. لكن ما حصل انّ أميركا فشلت في ذلك وتعرّضت لمقاومة ضاربة، واستنزفت مواردها على نحو كبير باعتراف الرئيس الأميركي جو بايدن الذي تحدث عن كلفة تجاوزت تريليون دولار، ولم تعد بلاده قادرة على الاستمرار في تحمّلها، مشيراً إلى أنّ إيران والصين وروسيا يريدون ان نبقى كي نهدر المزيد من مواردنا ..
ثانياً، أما بما خص سعي واشنطن لتحويل أفغانستان إلى مصدر إلى إثارة الاضطرابات والفتن في دول جوار أفغانستان، لا سيما إيران والصين وروسيا، لحرمانهم من الاستفادة من الهزيمة الأميركية ومنع استكمال طريق الحرير الصيني، فهذا أمر متوقف على طبيعة سياسة طالبان وسلوكها في المرحلة المقبلة تجاه علاقاتها مع دول الجوار هل ستكون مبنية على التعاون بناء على المصالح المشتركة ام لا.. لا سيما انّ استقرار أفغانستان متوقف على الوجهة التي ستسير فيها طالبان..
لهذا علينا أن نميّز:
1 ـ بين الهزيمة المؤكدة التي مُنيت بها أميركا ورأينا مشاهدها في مطار كابول والتخلي عن عملائها وهي مشاهد مماثلة لمشاهد الهزيمة الأميركية في سايغون لحظة هروب آخر الجنود الأميركيون من فيتنام…
2 ـ وبين المرحلة المقبلة المرتبطة بطبيعة السياسة التي ستسلكها طالبان… والتي علينا أن ننتظر لنرى ماذا ستكون.. مع ملاحظة انّ طالبان ترسل رسائل انفتاح إيجابية باتجاه الداخل الأفغاني ودول الجوار.. والتي قد تكون مؤشراً على تحوّل في خطاب طالبان، بعد عقدين من مقاومة القوات الأميركية، وقد تكون أيضاً تكتيكاً لاحتواء التناقضات الأفغانية وتأمين إحكام السيطرة على الحكم في البلاد ومن ثم العودة إلى سياساتها السابقة قبل الغزو الأميركي، واحتضان تنظيم القاعدة من جديد لإثارة الفتن والاضطرابات في دول جوار أفغانستان..
ثالثاً، انّ الهزيمة الأميركية المذلة والتي عكستها مشاهد انهيار النظام التابع للولايات المتحدة بسرعة فاجأت العالم اجمع، وصدم واشنطن التي اعتقدت ان النظام الذي بنته والجيش الأفغاني، الذي درّبته وسلّحته بأحدث الأسلحة الأميركية، سيكون قادر على الصمود ومواجهة حركة طالبان، فإذا به ينهار بين ليلة وضحاها.. في حين ان مشاهد ترك عملاء واعوان الولايات المتحدة يواجهون مصيرهم بعد ان تخلت عنهم، لا بدّ انه سيترك تداعيات سلبية على النفوذ الأميركي الاستعماري في كلّ المنطقة، الأمر الذي يطرح معه مصير القوى العميلة التي تعتمد في وجودها على وجود قوات الاحتلال الأميركية، وخصوصاً في العراق وسورية، وهو ما يعيدنا إلى التذكير بتصريحات السفير الأميركي السابق في سورية روبرت فورد الذي حذر قوات قسد الكردية في شرق وشمال سورية من الاستمرار في الرهان على الدعم الأميركي.
فهل ستتعظ القوى المتعاونة مع أميركا في كل من سورية والعراق وغيرهما، وتتوقف عن مواصلة سياسة الرهان على الدعم الأميركي، وتعيد النظر بسياساتها لمصلحة اعتماد سياسات وطنية.. بما يجنبها ملاقاة المصير الذي لاقته حكومة كابول وكلّ من تعامل مع القوات الأميركية في أفغانستان.
خلاصة الأمر، ان أميركا، بعد 20 عاما من غزو أفغانستان واحتلالها، لم تتمكن من تحويلها إلى قاعدة أميركية لمحاصرة إيران والصين وروسيا والعبث بأمنهم واستقرارهم الداخلي، ولم تتمكن أيضا من القضاء على حركة طالبان التي احتضنت تنظيم القاعدة، كما أن أميركا لم تنجح في تحقيق هدفها في فرض هيمنتها على العالم.. وها هي تحصد نتائج فشل حربها، وتراجع هيمنتها وسطوتها وسقوط مشروع سيطرتها الأحادية على العالم، وبالتالي الفشل المدوّي في الحدّ من تنامي قوة وحضور الدور الروسي والصيني والإيراني على الصعيدين الإقليمي والدولي.