كيف يتصاعد دخان الحكومة الأبيض والشعب معروض للبيع في سوق المنظومة السياسية الأسود؟
} علي بدر الدين
لم يفاجأ اللبنانيون بالمسار التراجعي لتأليف الحكومة، لأنّ بناءه هشّ في الأصل، ويُقام على أرض رخوة، وعلى أساس من الأوهام والوعود الكاذبة، والتجارة في شراء الوقت وبيعه، وفي تخدير المواطنين وإشغالهم بالبحث عبثاً عن احتياجاتهم وحقوقهم المسلوبة والمصادرة، من أجل تضييق الخناق عليهم ومحاصرتهم اقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً، بهدف إسقاطهم بالضربة القاتلة وإغراقهم في بحر من الفقر والبطالة والمجاعة، لتعطيل حركتهم وحياتهم، وتحييدهم عن المشهد السياسي العام، وإلهائهم بحفلات جنون المنظومة السياسية الحاكمة وشكليات التأليف واللقاءات الثنائية بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي التي لغاية اليوم لم تثمر ولم تنتج أيّ تفاهم أو اتفاق ولو بالحدّ الأدنى يمكن ان يعوّل عليه أو يؤشر إلى فتح ثغرة ولو بسيطة في جدار الحكومة المحكوم تأليفها بالمصالح السياسية والسلطوية الآنية والمستقبلية.
رغم المواقف التفاؤلية والتوقعات والرغبات، والتبشير باقتراب ولادة الحكومة الموعودة، فإنّ الشعب اللبناني لم يشهد سوى المزيد من التعقيدات والعرقلة والشروط المتبادلة والانقلابات بالجملة والمفرّق، على ما يعتقد أنه أنجز أو تمّ الاتفاق عليه، مع تغيير غير متوقع في قواعد اللعبة والاشتباك والكباش حول التحاصص في الحقائب وحجمها ومن يسمّي وزراءها، لتأتي النتيجة دائما «فاشوش»، لأنّ على ما يبدو، بل من المؤكد، أن لا أحد في هذه المنظومة أو أقله أغلبها لا يملك قراره، ولا سلطة له تخوّله اتخاذ قرار فتح الطريق أمام التأليف أو في غيره من الاستحقاقات الدستورية والانتخابية، لأنّ دور هذه المنظومة، إذا كان لها من دور هو فقط، إطاعة أوامر المشغلين الإقليميين والدوليين والالتزام بمصالحهم وأجنداتهم، وانتظار تقاطع مصالحهم في المنطقة أو تعارضها وحتماً لبنان في صلبها، وعلى نتائجها وتداعياتها يُبنى المقتضى.
لا يغرقنّ أحد في منسوب التفاؤل المصطنع، ولا في طلعات الرئيس المكلف إلى قصر بعبدا ونزلاته وتصريحاته التي لا تقدّم ولا تؤخر ولا طائل منها، ولا بوعوده وصبره وطول أناته، ولا يتوقعنّ أحد قدرة هذه المنظومة على تأليف الحكومة، ما دامت مرهونة ومرتهنة وتابعة للخارج أولاً، ولمصالحها وحصصها وعقليتها المتحجّرة المتسلطة والمستبدة ثانياً، ولا يمكن الركون إليها، لأنّ من مصلحتها ألا تؤلف أيّ حكومة تستجيب لمطالب الشعب كما لشروط المجتمع الدولي المشكوك بصدقيته الذي يشترط تأليف حكومة تنفذ إصلاحات حقيقية، وهذا يعني الحاجة إلى الإصلاح والتغيير والمحاسبة، وهذا ما لا تريده أو تقبل به منظومة الفساد والمحاصصة والنهب والاحتكار.
لن يتصاعد دخان الحكومة الأبيض من لقاءات بعبدا ولا من أيّ مكان، لأن لا مؤشرات ولا معطيات ولا وقائع أو جدية او قدرة للمنظومة الحاكمة على التأليف، والشعب اللبناني على اختلافه «وتنوّعه» لم ير منها على مدى ثلاثة عقود وأكثر، سوى الدخان الأسود والسلوك الأسود والسوق السوداء ووجوهها الحالكة السواد وفسادها وطغيانها وتحاصصها وظلمها الذين سوّدوا حياته وعيشته وأيامه ورموه في المجهول، والعراء يصارع وحيداً ومحروماً من أجل لقمة العيش والبقاء على قيد الحياة.
حتى لو تألفت الحكومة، فإنها ستكون لزوم ما لا يلزم، مهيضة الجناح ومشلولة عن الفعل وإحداث الصدمة الإيجابية المطلوبة أو الفرق، لأنها ستصل إلى خط النهاية «مقطوعة النفس» لا حول لها ولا قوة ولا عمل، لأنّ قطار الانهيارات المتتالية السريع سبقها بأشواط ومن الصعب بل والمستحيل اللحاق به والصعود اليه، وقد ضاق وقتها وخياراتها، وهي بحاجة إلى قطوع جلسة منحها الثقة في مجلس النواب، لأنّ لبنان اعتاد في ظلّ الطبقة السياسية والمالية الحاكمة على المفاجآت غير السارة، وعلى سرعة تغيير المشهد السياسي، ونقل البارودة من كتف إلى كتف من دون ان يرفّ لها جفن. ويلزم الحكومة وقت لأخذ الصورة التذكارية، وجمع ممثلي الطوائف والمذاهب والقبائل والعشائر، حيث الخضوع للمزاج والدلال والغنج، وكأنّ البلاد والعباد في أفضل أحوالها، ثم لا بدّ من انتظار عملية التسليم والتسلم بين الوزراء الجدد والقدامى. هذا يعني أنّ الحكومة إذا ما كتب لها التأليف، لا عمل لها سوى التحضير للانتخابات النيابية فقط لا غير.