نقاط على الحروف

كي لا تقولوا فوجئنا: بعد السفن التنقيب فسارعوا!

  ناصر قنديل

– منذ الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 والمستوى السياسي الحاكم في لبنان يستخفّ بما تستطيع المقاومة فعله، ويمارس لعبة التهوين تجاه كلّ خطوة تعلن عزمها عليها، فعندما كانت المقاومة تحرّر بيروت من الاحتلال كان المستوى السياسي الحاكم ينظر للهزيمة التي لحقت بجيش الاحتلال كخطوة تكتيكية طوعية يقدِم عليها لإنجاح المفاوضات التي تورّطت بها السلطة اللبنانية بوهم التوصل إلى اتفاق، بقي هو العنوان الذي يحظى بالتركيز والاهتمام كسياق يمكن له إنهاء الاحتلال، أو بعض هذا الاحتلال تحت شعار الممكن أميركياً، وعندما هُزم الأميركي ورحل دون إنذار مسبق وتلاه سقوط إتفاق الذلّ المعروف بإتفاق السابع عشر من أيار، لم يأخذ المستوى السياسي الحاكم خيار المقاومة على درجة الجدية اللازمة، فانعطف نحو البحث عن تسويات سياسية وإقليمية تحفظ له مكاسب السلطة، ناظراً إلى المقاومة كمجرد صدى لغياب هذه التسويات التي ستتكفل بإقفال الطريق أمامها، وعندما جاء اتفاق الطائف كنهاية لهذا السياق وتبدّلت توازنات هذا المستوى السياسي الحاكم، بقي هذا الوهم سائداً وحاكماً حتى تحقق التحرير التاريخي عام 2000، وبعد التحرير لم تؤخذ المقاومة بالجدية اللازمة كمشروع لحماية لبنان والدفاع عنه، حتى جاءت حرب تموز التي شارك في تصنيع أحداثها وواكبها جزء هام من المستوى السياسي الحاكم، وانتهت الحرب بهزيمة غير مسبوقة لجيش الاحتلال وللمشروع الأميركي المعلن من وراء الحرب، لكن هذا المستوى السياسي الحاكم رغم التغييرات التي لحقت بتوازناته مجدداً بقي يتعامل مع المقاومة بأقلّ من كثير من الجدية التي يمثلها مشروعها، وبقي التهويل الأميركي والتهوين الأميركي، الحاضر الأكبر في مقاربة المدى الذي يتحرك فيه مشروع المقاومة.

– خلال الحرب على سورية تورّط الكثير من أركان المستوى السياسي الحاكم في لبنان في هذه الحرب، وعندما قالوا ان ما تقوم به المقاومة هو مغامرة، مستعيرين وصف حكام الخليج للمقاومة خلال حرب تموز، كانوا واثقين من أنّ المشروع الأميركي لن يُهزم، وأنّ المقاومة ستدفع ثمن مشاركتها في هذه الحرب، ولكنهم لم يتعلموا دروس هذه الحرب ولم يأخذوا منها العبر، فمع إطباق الحصار الإقتصادي الذي أحكم على لبنان تحت شعار إسقاط سقف البيت اللبناني على رؤوس ساكنيه بمن فيهم من يسمّون بحلفاء وأصدقاء واشنطن أملاً بأن تلحق بعض الشظايا رأس المقاومة، تحمّس هؤلاء للحصار رغم ما فيه من استهانة بهم لأنهم رأوا فيه فرصة لتحقيق بعض الأرباح المالية، سواء عبر المسارعة لتحويل أموالهم الى الخارج أو دخولهم على خط نهب عائدات الدعم الفوضوي الذي رسمت خطوطه برعاية واشنطن ونفذه مصرف لبنان بالتنسيق معهم، فتولى هؤلاء الذين وضعوا أيديهم على جزء رئيسي من هذا الدعم عبر التهريب والاحتكار، مهمة التبشير بقرب سقوط المقاومة، وأخذوا يعدّون الساعات لسماع صراخ المقاومة، وانقلاب بيئتها عليها، وهم ينتظرون جثتها على ضفة النهر، أو ينتظرون اتصالاً من قادتها يعلن الإستعداد للتفاوض على الشروط الأميركية لفك الحصار.

– منذ بداية الحصار والمقاومة تعرض رؤيتها، وتقدّم بدائلها، وتدعو للأخذ بها ومناقشتها بجدية، لكن الصمغ كان محكماً على آذان من يجب أن يسمعوا، وهم لا يجيبون إلا بالسخرية من هذه الطروحات والبدائل، والمتهكمون نوعان، نوع يقابلها بعدائية عنصرية، ونوع يشكك بصحتها وقابليتها للتحقق، فلا التوجه شرقاً لاقى الاهتمام اللازم ولا مجيء الشركات الصينية والروسية وعروضها الواضحة والمحددة في القطاعات الحيوية، كمعامل الكهرباء ومصافي النفط وسكك الحديد، تمّت معاملتها بالجدية التي تستحق، لكن هؤلاء ركزوا تهكّههم وسخريتهم وعنصريتهم واستخفافهم على العرض الإيراني لتقديم المشتقات النفطية بالليرة اللبنانية، وهو عرض موجود منذ بدء الأزمة، وعائداته أوسع من مجرد فكّ الحصار ووقف الذلّ، فهو يتكفل بوقف الطلب على العملات الصعبة ويسهم بتثبيت سعر الصرف وتخفيضه، لكن لا الخصوم ولا الأصدقاء تعاملوا مع هذا العرض كما يجب، حتى وجدت المقاومة انها مجبرة على السير به منفردة، بعد شهور من المحاولات لجعله مشروعاً تتبناه الحكومة أو تشرعن السبل للاستفادة من عائداته، واليوم ما عاد الموضوع مطروحاً للنقاش تحت عنوان، يحدث أم لا يحدث، تفعلها المقاومة أم لا تفعلها، فالأمر انتهى وصار مساراً غير قابل للتعطيل.

– بالأمس فتح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، نافذة جديدة عنوانها البدء باستخراج النفط والغاز من البلوكات اللبنانية، دون انتظار الإذن الأميركي والرضا «الإسرائيلي«، معلناً انّ لدى المقاومة عرضاً إيرانياً للقيام بالمهمة إذا لم تكن هناك شركات أخرى مستعدة لذلك، داعياً للتعامل مع هذا العرض الجدية اللازمة، والذي يجب ان يفهمه المعنيون من التجربة وسياقها التاريخي، انّ عليهم أخذ هذا الكلام بالجدية التي لم تحكم تعاملهم مع الخطوات السابقة التي دعتهم اليها المقاومة قبل ان تجد أنها مضطرة للسير بها منفردة، وما يجب ان يكون معلوماً من الجميع، اصدقاء وخصوم، في الداخل، وأعداء في الخارج، أنّ المقاومة عندما تعلن لا تكون تفعل ذلك من باب الترف الفكري ولا الفضول العلمي، ولا السجال السياسي والإعلامي، بل هي تفعل ذلك بكلّ الجدية والمسؤولية، وتمنح الفرص للأخذ بما تعلن ومناقشته تقنياً وفنياً واقتصادياً، بعيداً عن الممنوع والمسموح أميركياً، وعندما تيأس المقاومة من قابلية المستوى السياسي لتحمّل المسؤولية، لن تنتظر، وستجد نفسها ملزمة بالسير منفردة، فلا تخرجوا غداً وتقولوا فوجئنا!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى