الحلول الإبداعية تدكّ الحصار…
} أحمد بهجة*
يمكن القول إنّ لبنان دخل مرحلة جديدة بكلّ ما للكلمة من معنى مع البدء عملياً باستيراد المحروقات من إيران.
وليس الحديث عن المرحلة الجديدة من قبيل تضخيم الأمور، بل هو حقيقة واضحة للعيان، ذلك أنّ الأمر لن يكون محصوراً فقط بموضوع الاستيراد لتوفير مادتي المازوت والبنزين، بل سيطال جوانب عديدة وهامة جداً منها على سبيل المثال:
ـ وضع حدّ لإذلال الناس في الطوابير أمام محطات الوقود.
ـ المساهمة في إيجاد حلّ لانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، لأنّ المازوت سيتوفر للمولدات بكميات كافية وبأسعار لا علاقة لها بالدولار، وهذا يُخفف إلى حدّ كبير من معاناة الناس على هذا الصعيد.
ـ إرباك خطط المحتكرين الذين يرتكبون جرائم بحق اللبنانيين ويسرقون أموالهم، باعتبار أنّ المواد التي يتمّ تخزينها مدفوع ثمنها بنسبة 85 في المئة من أموال المودعين، هذا فضلاً عن السرقة المضاعفة والأرباح الفاحشة التي يحققونها حين يبيعون هذه المواد في السوق السوداء وعلى أساس أنها غير مدعومة. فمع دفع ثمن المحروقات المستوردة من إيران بالليرة اللبنانية يتمّ كسر هذه الحلقة الجهنمية، ويصبح الاحتكار عامل خسارة وليس عامل ربح.
ـ أيضاً مع الاستغناء عن الدولار في استيراد المحروقات من إيران فإنّ الضعط على سوق القطع يخف كثيراً، ذلك أنّ استيراد مادتي البنزين والمازوت يتطلب أن يتوفر سنوياً نحو 3 مليارات دولار؛ طبعاً لن يتمّ استيراد كلّ حاجة السوق اللبنانية من إيران، لكن يكفي استيراد ثلث هذه الحادة حتى ينتفي الضغط على سوق القطع، وبالتالي ربما يساهم ذلك في خفض سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية.
ـ ولا ننسى هنا تأثير توافر مادتي المازوت والبنزين على الدورة الاقتصادية بشكل عام، فبدل أن يمضي أيّ شخص عامل ساعات منتظراً في الطوابير فإنه يستغلّ هذه الساعات للإنتاج في عمله أياً كان نوع عمله. وقدّرت «الدولية للمعلومات» حجم الخسائر الناجمة عن انتظار الناس في الطوابير بنحو 1100 مليار ليرة.
هذا بالإضافة إلى عوامل الاطمئنان التي ترخي بظلالها على المجتمع بأسره نتيجة بدء مسار الحلول الإبداعية الإنقاذية، خاصة بعد الضغوط الهائلة التي تعرّض لها اللبنانيون ولا يزالون يتعرّضون على كلّ المستويات النفسية والمادية والمعيشية.
وما يطمئن أكثر فأكثر هو أنّ الخطوة ليست وحيدة، فالسفينة التي انطلقت قبل أيام سوف تليها سفينة ثانية تنطلق خلال أيام، ثم سفن أخرى تباعاً ليس لإغراق السوق بل لإشباعه، وهذا أمر ممكن ومتاح، بغض النظر عن البروباغندا الإعلامية التي افتعلتها في اليوم نفســه السفيرة الأميركية في محاولة للتشويش ليس أكثر، لأن كلّ الوقائع والمعطيات تدل أنّ الأميركيين هم في مرحلة تراجع وبالتالي غير قادرين على عرقلة أو منع وصول السفن الإيرانية المحمّلة بالوقود إلى لبنان.
والقول إنّ ما طرحته السفيرة الأميركية من حلّ لمشكلة الكهرباء هو مجرّد بروباغندا إعلامية هو قول صحيح بدليل أنّ مشروع استجرار الطاقة الكهربائية من الأردن والغاز من مصر عبر سورية هو مشروع مطروح منذ سنوات وكان يعرقله الفيتو الأميركي المتعدّد الوجوه والأشكال، وذلك إمعاناً في الحصار المفروض على لبنان، لكنّ الردّ كان أقوى بعدة درجات على مقياس العزة والكرامة الوطنية، وهو ما دفع الأميركيين إلى التراجع والرضوخ واالبدء فعلياً بفكّ الحصار والأيام المقبلة كفيلة بإظهار الخيط الأبيض من الخيط الأسود…