مزيد من النقاش حول إيران والبنزين وأميركا
ناصر قنديل
– عندما لم يبادر المتحدث بلسان وزارة الخارجية الأميركية إلى الحديث في إحاطته اليومية عن سفن حزب الله الآتية من إيران لجلب المحروقات إلى لبنان، بادر أحد المراسلين التابعين لمؤسسة خليجية بتوجيه السؤال عن الموقف الأميركي، ورغم أن الجواب جاء باهتاً وتقليدياً عن أن العقوبات الأميركية على النفط الإيراني لم يتمّ رفعها، رفعت وسائل الإعلام الممولة من ذات الجهة حجم الكلام لجعله الخبر الأول لدى بعضها، للإيحاء بأمرين لم يتضمنهما الكلام الأميركي، الأول أن العقوبات سيتمّ تفعيلها في حال الاستيراد إلى لبنان، وعادة ما يكون هذا الإعلان الإجرائي ضرروياً في أي حالة مشابهة وهو لم يرد، لكن الرغبات أو التمنيات السياسية فاقت المهنية التي كانت تقتضي الإشارة إلى غياب الحديث عن تفعيل هذه العقبات في حالة لبنان، والثاني وهو الأهمّ، في تحديد من هي الجهة التي ستكون مستهدفة بالعقوبات في حال تفعيلها تجاه الاستيراد إلى لبنان من إيران، الشركات المستوردة، أم الدولة اللبنانية، لكن مقتضيات التهويل تتقدم عند هؤلاء عند موجبات المسؤولية المهنية، فبدأ التطبيل للمخاطر القادمة، بعدما استبدل الكلام عن خطر المواجهة العسكرية بالحديث عن موافقة أميركية ستفسر عدم وقوع المواجهة، لدى المهولين أنفسهم، وبعدما تراجع بعض المنتبهين منهم إلى تفاهة الحديث عن أن إيران لا تملك فائضاً من المحروقات للتصدير.
– يمكن سرد الكثير من حالات استيراد المحروقات من إيران، رغم أنّ ما قاله المتحدث بلسان الخارجية الأميركية كان سارياً في زمانها، لكن هذا الاستيراد لم يستهدف بتفعيل العقوبات، فلا الشركات ولا الحكومات أصابتها العقوبات، وأحياناً بفعل استثناء رسمي أميركي بموجب طلب رسمي، لكن غالباً بدون استثناء، وقليلاً ما كانت الشركات تتعرّض للعقوبات وليس الحكومات والدول، ولكن بعد حين، وفي سياق ضغوط ذات مغزى وتوقيت سياسيين، فتأتي ضمن جملة عقوبات على شركات وكيانات عالمية، تحت عنوان تسهيل تسويق النفط الإيراني ومشتقاته، في لحظات الحاجة إلى رسائل تفاوضية مع إيران، ما يؤكد أنّ بقاء العقوبات شيء، وتفعيلها وتحديد المستهدفين بها، وتوقيت اللجوء إليها، أشياء أخرى.
– لتبيان ما جرى وما يجري، أمامنا مثال حي تقدمه حكومة أشرف غني التي كانت حتى الأمس تحكم أفغانستان، وليس مجرد حكم عادي، فهي تحكم تحت العين الأميركية المقيمة في أفغانستان، حيث الاحتلال قائم وحاضر في كلّ وزارات حكومة أشرف غني، وهذه الحكومة استوردت عبر شركات أفغانية مؤيدة للحكومة نصف مليون طن من البنزين خلال عام ممتد من أيار 2020 إلى أيار 2021، أي قرابة خمسمئة مليون ليتر وهو ما يعادل ربع حاجة أفغانستان إلى البنزين، وفي الخبر ليس مجرد الدليل على أن ذلك يحدث، ما يعني أن لدى إيران الفائض اللازم للتصدير، والكمية هي بالمناسبة ربع استهلاك لبنان السنوي أيضاً، بل أنه يحدث مع بلد تحكمه أميركا مباشرة، وفي ظلّ معادلة أن العقوبات على استيراد النفط الإيراني ومشتقاته قائمة، والسؤال هو لماذا لم يطرح الذين يهولون على لبنان أسئلتهم عن السبب وراء امتناع واشنطن عن فرض العقوبات على حكومة أفغانستان، وسبب إصرارهم أو رغباتهم بأن تفرض على لبنان، والسؤال الثاني ألا يعني لهم شيئاً أن يكون ما أعلنته السفيرة الأميركية عن وجهة المواجهة الأميركية للسفن الإيرانية بتسويق بدائل تؤمن الكهرباء، ولو على حساب قانون عقوبات آخر ساري المفعول ونشط ولم تخرقه استثناءات لا رسمية ولا واقعية بعد، ولا تدور حوله مفاوضات لوقف العمل به، كحال العقوبات على إيران، وهو قانون قيصر الذي يفرض الحصار الظالم على سورية؟
– القضية في لبنان في هذا الملف كما في سواه، ليست فقط بحجم الأذى الذي يرغبه بعض الخارج للبنان، بل أكثر من ذلك مصدر الأذى هو حجم ما يتمناه ويسعى إليه بعض اللبنانيين من خراب لبلدهم، فقط لإثبات فشل أي خيار إنقاذي يأتي من كنف خيار المقاومة، تماماً كما تعامل هؤلاء مع حرب مدمرة شنت على لبنان عام 2006 ورفضوا الاعتراف بانتصار بلدهم فيها رغم اعتراف العدو نفسه.