التحرير الثالث
ناصر قنديل
– يحتفل لبنان بالذكرى الرابعة للتحرير الثاني الذي أنهى احتلال التنظيمات الإرهابية لمساحة من الأرض تعادل مساحة الشريط الحدودي وتقارب 10% من مساحة لبنان، وامتدّ لخمس سنوات بين عامي 2012 و 2017، وكما كانت المقاومة القوة الطليعية التي فتحت مسار التحرير الأول كانت تلك القوة التي فرضت إيقاع التحرير الثاني، في ظلّ محاولات سايسية وحكومية نجحت بحرمان الجيش اللبناني في المرتين من المساهمة المبكرة في عمليتي التحرير الأول والثاني، رغم التضحيات التي قدّمها الجيش في مواجهة الاحتلال الأول والاحتلال الثاني، وكما أكد التحرير الأول معادلة الشعب والجيش والمقاومة أكد التحرير الثاني، وكما خرج لبنان مرفوع الرأس في معركته مع الاحتلال الأول رغم تفاوت الإمكانات وحجم الدعم الخارجي العملي للاحتلال والكلامي للبنان، خرج لبنان مرفوع الرأس من الاحتلال الثاني رغم ما ثبت من أنّ هذا الاحتلال امتداد لحلف غربي عربي مالي وأمني كان يهدف لوضع اليد على ساحل المتوسط السوري واللبناني عبر الجماعات الإرهابية، بينما لم ينل لبنان من الخارج الذي زعم محاربة الإرهاب الا الكلام.
– يواجه لبنان اليوم انهياراً مالياً واقتصادياً، وتمثل كلّ المشاريع التي يتطلع اليها اللبنانيون نوعاً من أنواع التبشير بحياة شديدة القسوة إذا سارت المعالجات الموعودة كما يجب، فالحلّ المثالي المتداول هو بالحصول على رعاية صندوق النقد الدولي لبرامج إعادة هيكلة المالية العامة للدولة، وتأمين مساعدات مالية مبرمجة تحت شكل ديون متوسطة الأجل بفوائد مخفضة لعبور المراحل الأولى من هذه العملية المؤلمة التي يُفترض أن تمتدّ لعشر سنوات، يجري خلالها رفع الدعم عن كلّ السلع انطلاقاً من الكهرباء والخبز والمحروقات، وترك سعر الصرف حراً لتحديد قيمة الليرة اللبنانية مقابل العملات الأجنبية وفي طليعتها الدولار، في ظلّ إشارات تقدّمها التقديرات المتفائلة بأن يثبت سعر الصرف عند الـ 20 الف ليرة، ويكون متوسط حاجة العائلة الفقيرة للبقاء على قيد الحياة دون أيّ إضافات استهلاكية، أيّ لحاجات النقل والخبز والكهرباء، فوق الخمسة ملايين ليرة، ايّ ما يعادل 250 دولار شهرياً، مقابل رواتب تتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين لـ 50% من اللبنانيين بعد زيادات نسبية لهذه الرواتب لبلوغ هذا المستوى، وبطالة لـ 25% منهم، أيّ بقاء 75% من الشعب تحت خط الفقر لعشر سنوات.
– بالمقابل يرزح تحت الاحتلال جزء من الجغرافيا اللبنانية، هو ثروات النفط والغاز التي توجد الكتلة الواعدة منها في المناطق الجنوبية، والتي يخضع البحث في استثمارها لوصاية أميركية تهدف لتوظيف كلّ نقاط الوجع اللبناني لفرض شروط مذلة على لبنان للحصول على بعضها مقابل ضمان حصول كيان الاحتلال على أغلب هذه الثروات، ورغم مبادرة لبنان للتعاقد مع شركات عالمية تقودها شركة توتال الفرنسية، يتمّ التكتم على حقيقة الثروات اللبنانية بهدف تعمية أيّ بحث لبناني جدي لاستثمار هذه الثروات، التي تقدّر بمئات مليارات الدولارات، والتي يشكل البدء بإستثمارها المدخل الوحيد للحصول على بوليصة تأمين تتيح للبنان واللبنانيين عبور السنوات العجاف الأولى في مرحلة النهوض للخروج من قعر السقوط القائم والقادم، وكما في التحريرين الأول والثاني قالت المقاومة إنها مستعدة لتولي مهمة التحرير الثالث، وانّ لديها عروضاً من شركات إيرانية للقيام بمهمة استخراج هذه الثروات لحساب لبنان، دون التقيّد بالممنوعات الأميركية والغربية لحساب “إسرائيل”، ومن ضمن المشروع تركيب منشآت حديثة للتكرير، توفر للبنان حاجاته للسوق الداخلية من المحروقات، وتوليد الكهرباء، فيستغني عن التفكير باستيراد الغاز لتوليد الكهرباء ويستغني عن شراء المحروقات، وهذا وحده سيتكفل بتثبيت سعر الصرف عند حدود ما بين 5000 و7000 ليرة للدولار، ويتكفل بحفظ قدرة شرائية مقبولة للأغلبية الكاسحة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، بحيث لا لبس ولا إشتباه بأنّ التحرير الثالث أخطر من التحريرين الأول والثاني، حيث يتوقف عليه تحرير الناس من ذلّ طلب لقمة العيش مغمّسة بالدم والدموع، بعدما أنجز التحريران الأول والثاني تحرير الناس من ذلّ الخضوع للقتل والإذلال والإرهاب.
– كل لبناني شريف وحريص على بلده ومتحرّر من التبعية للسفارات ومشاريعها لا يستطيع الا أن يقف وراء المقاومة لخوض غمار مشروع التحرير الثالث، وكما في التحريرين الأول والثاني وضعت المقاومة عائد التحرير من كلّ الجغرافيا التي رفعت عنها سلاسل المحتلّ، في عهدة الدولة، ستفعل في التحرير الثالث، لكن آن الأوان للبنانيين أن يفكروا بكيفية بناء هذه الدولة على قواعد تتناسب مع تضحيات التحرير الأول ومثله الثاني والثالث.