لماذا حكومة ميقاتي صعبة التشكيل؟
} د. وفيق إبراهيم
كان مفترضاً ان يكون تشكيل حكومة نجيب ميقاتي مسألة سهلة لا تصطدم بعراقيل عميقة كسابقاتها.
لكن الصعوبات التي تواجهها توحي بأنّ مسألة تشكيلها مرتبطة بمسألة عميقة تتعلق بارتباطها بانتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة التي لم تعد بعيدة.
هذا الكلام يؤكد انّ حكومة ميقاتي آلية أساسية من آليات الرئاسة المقبلة لانتخابات رئاسة الجمهورية، ولها أدوار عميقة في التحضير لهذه الانتخابات المرتقبة.
لذلك فإنّ هذه الحكومة ترتبط بمسألتين اثنتين: تحضير الدور السني لانتخابات الرئاسة المقبلة عبر نسج تحالفات تجعل للدور السني أهمية في لعبة التحالفات الداخلية، وإعادة شحن قوة سنية داخلية تؤكد مرة جديدة انّ هذه الطائفة بحاجة لدعم خليجي حتى يأخذ الدور السني أهمية في لعبة التحالفات الداخلية، حتى تستولي على دور يؤهّلها لأن تكون قوة كبيرة كما كانت دائماً على المستوى اللبناني.
هذه العراقيل تذهب مجدداً لناحية التأكيد بأن حكومة نجيب ميقاتي ليست مجرد اتفاق على أسماء وزراء بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية.
فلعبة التشكيل تعني تدخل رئاسة الجمهورية فيها بالاتفاق مع صهره جبران باسيل، ذلك لحسابات ترتبط بالانتخابات المقبلة للرئاسة.
كذلك فإنّ الرؤساء السابقين أصحاب أدوار أساسية هذا بالإضافة الى الدور الخليجي الذي يبدو غافلاً عما يجري لكنه يمارس في الحقيقة حركة اتصالات ضاغطة بدأ سفير السعودية في لبنان يقودها برشاقة. هنا لا تختفي فرنسا وأميركا، انهما يزاولان مهمة اختيار اسماء الوزراء بالاتفاق مع ميقاتي.
من الجهة المقابلة، يجد نجيب ميقاتي نفسه مضطراً لعدم تجاوز الدور السوري الإيراني – حزب الله انما بشكل تبدو فيه العلاقات بين القوى الخارجية المسيطرة على لبنان وكأنها تمر بمرحلة هدنة، فهل تنجح هذه الهدنة ام تسقط كسابقاتها؟
لقد أصبح مؤكداً انّ لبنان بحاجة الى هدنة تمنع عنه الانهيار الاقتصادي الكامل والإفلاس السياسي لأن لا أحد بوسعه تحمّل أكلاف هذه الانهيارات ولا دفع بلاد الأرز نحو صدامات بين قواه الداخلية، فأيّ صدام داخلي لا يعني إلا اندلاع قتال كبير بين المحور السوري الإيراني الفلسطيني في مواجهة الفريق «الإسرائيلي» الأميركي الفرنسي وحزبي القوات والمستقبل. فأيّ قتال على هذا المستوى لا يعني الا الانهيار الكامل للبنان وعجز كامل أطرافه عن التوصل الى حلول لها علاقة بالتسويات.
هناك إذاً صراع سني – ماروني يرقى عن مستوى الحكومة مدركاً مستوى الصراع على رئاسة الجمهورية بخلفيات دولية عميقة، فمقابل التدخل الخليجي والدور السياسي العميق في شؤون لبنان. وهناك الخط السوري الإيراني، والهيمنة الفرنسية الأميركية. لبنان الى أين؟ الهدنة الكاملة والعميقة ممنوعة بقرار غربي ولا يسمح الدور السوري الإيراني بأيّ انقضاض عميق على الوضع اللبناني الداخلي، لذلك فإنّ حكومة نجيب ميقاتي المرتقبة ليست مجرد تشكيل عادي لمجلس وزراء يدير البلاد، فهذه الحكومة هي الآلية التي يُفترض أنها قادرة على تهيئة البلاد للانتخابات المقبلة الرئاسية، فهل يكون لديها هذه القدرات؟ اي تستطيع ان تجعل مجمل قوى الضغط الداخلية القادرة على الإدلاء بتأثير في انتخابات الرئاسة.
لذلك فإنّ الحكومة المفترضة لميقاتي ليست مجرد آليات انتخابية بسيطة، بل يجب ان تضمّ محصلة وجهات نظر القوى المذهبية في البلاد.
لذلك فإنّ فريق عون – باسيل يدرس اختيار الوزراء بعناية كي لا يكونوا أدوات اعتراض على ترشيح باسيل للرئاسة المقبلة للجمهورية.
كذلك فإنّ فريق الرئيس نبيه بري لديه مرشحه الرئاسي الكامن أو من يؤيده على الأقل بالاتفاق مع حزب الله وهنا لا يبدو رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط بعيداً عن خيارات بري.
بما يضع فريق عون في مواجهة فريق حزب المستقبل، بالإضافة الى إحساسه بعدم القدرة على مجابهة الفريق الآخر.
حكومة النجيب ليست مجرد حكومة بسيطة بقدر ما تعكس صراعات على الانتخابات المقبلة لرئاسة الجمهورية وهنا يبدو جبران باسيل مصراً على انتزاعها لكنه يصطدم بالخط الخليجي وبالدور السوري وبرفض الأميركيين لسياساته المتقاربة مع إيران، فهل تنجح التسويات الدولية في تهدئة الوضع الداخلي اللبناني؟
يبدو انّ للرئيس بري دوراً كبيراً يختزنه لمراحل أكثر صعوبة، بما يؤكد انّ الخارج السياسي لن يترك لبنان على قارعة الطريق لأنّ تحركه منفرداً يعني انفجار الاوضاع عند الحدود السورية اللبنانية ـ «الإسرائيلية».