موسى الصّدر… الاستنثاء وسط رتابة المتشابهات
} حسن الدّر
كلّما اتّسعت الرّؤية ضاقت العبارة، وكلّما امتدّت يدي إلى قلمي امتدّ قلبي غيمةً فوق الورق، فتروح فكرة الكتابة وتجيء سكرة الدّهشة، وتترامى أنت بقلبي كما الحبّ وكما الحزن، شعوراً يُحسّ ولا يوصف!
ولأنّك لله، فإنّك تنمو عاماً بعد عام، وتتكاثر فينا، رغم غربتك، فكراً ونهجاً وسلوكاً، ووطناً نرسمه على مقاس انفتاحك!
ولكن هيهات، كيف نعثر على وجه جميل لوطن يشبه وجهك، وكيف نصون حدوداً بشموخ قامتك، وكيف نكتب دستوراً يشبه قلبك الّذي يستضيف الله على أرض تعبث فيها شياطين الطّوائف!
ثلاثة وأربعون عاماً، ونحن تائهون بعدك، نقتفي أثر أفكارك، نحاول أن نضيفَ فكرة فاتتك، ونعجز، فقد اختصرت علينا المسافات، وعشت مستقبلنا في ماضيك، ورسمت لنا طريق الخلاص.
لكنّنا أضعنا البوصلة، فضيّعنا وطننا ومستقبلنا وأحلامنا!
ثلاثة وأربعون عاماً ولم يجترح عقل سياسيّ حلّاً أحلى ممّا اجترحت، ولم يفتِ عالم فتوى أتقى ممّا أفتيت، فأنت الاستثناء وسط رتابة المتشابهات، وأنت الرّبّانيّ الّذي اعتنق الحبّ ديناً، والحوار طائفة والانفتاح مذهباً.
وأنت أنت الّذي علّمتنا لغة الحبّ وجرأة الحرب وشجاعة السّلام، ورسمت لنا الحدّ الفاصل بين الإيمان والتّديّن، فكنت ثالث عشر حواريي المسيح، وثالث عشر أئمة المسلمين.
عذراً يا سيّد، لا أريد أن أثقل قلبك، لكنّنا لسنا بخير، فقد سرقوا حلمك بلبنان الرّسالة، وأعادونا إلى زمن العصبيّة الطّائفيّة، وحوّلونا إلى رعايا تتناهشها مطامع الدّول الكبرى.
لبنانك الكبير، بإنسانه، صار أرضاً ملعونة ينجو من يغادرها، ورسالة التّعايش الّتي تعبتَ لتكتبها، مزّقوها، ومقاومتك الّتي أردتها دفاعاً عن حقوق الله والإنسان، حاربوها وطيّفوها وشوّهوا صورتها.
يا سيّد موسى، تمرّ علينا المحن الّتي حذّرتنا منها، وتملأ عالمنا الذّئاب!
ولم يعدلوا يا سيّد، لم يسمعوا نصائحك..
وها وطننا مرميّ على مزابل التّاريخ، لأنّهم صاموا عن قول الحقّ، وأصبحت موائد نفاقهم مليئة بأطباق الرّياء، وكسروا الأقلام الّتي تغرف من حبر الحقيقة مهما كان مرّاً!
ولكن، رغم كلّ مآسينا، ورغم احتضار الحياة فينا، ما زلت الأمل يا سيّد، وما زلنا نثق بوعودك إلينا، وحنوّك علينا، وما زلنا نقرأ كلامك فتطمئنّ قلوبنا: «إنّني متفائل دائماً، ويعود سبب ذلك إلى إيماني بالله.. وأنّ الله خلق الإنسان والعالم على أساس الحقّ»، والحقّ منتصر ولو بعد حين!