أوروبا تبحث عن دور في الشرق الأوسط
} د. وفيق ابراهيم
الصراعات العالمية الجديدة بدأت تتمحور حول الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وأوروبا والصين واليابان.
والضحية هي نفسها لا تتغيّر منذ قرنين من الزمن وهي الشرق الأوسط الذي يحتوي على النفط والآن الغاز والقدرة على الاستهلاك لأنه متخلف لا ينتج شيئاً.
لا بدّ من التنبيه الى أنّ هذا الشرق الأوسط يمتاز بموقع جيواستراتيجي فريد من نوعه ونفط غزير وبوادر إمكانات هائلة من موارد الغاز، يكفي أنّ مصادر البحث العلمي عن موارد الطاقة تقول انّ صحراء الربع الخالي السعودية تتضمّن كميات هائلة من الغاز وبذلك تبقى السعودية التي كانت المنتج الأول للنفط في العالم، المنتج الأول للغاز أيضاً فتحتفظ بأهميتها الاقتصادية والسياسية في آن معاً، إنما من خلال الأميركيين، وهذا يعني أنّ الأميركيين لن يبذلوا كبير جهد للإمساك بالمنطقة العربية وخصوصاً منطقة الجزيرة العربية.
وهذا يعني انّ التغييرات الجيواستراتيجية في العالم لن تكون عميقة جداً فيما تحتفظ اليابان بقوّتها كمحاولة للاستحصال على موقع اقتصادي أساسي في العالم ارتباطاً بتطوّرها الاقتصادي والإنتاجي والعلمي.
ما نلاحظه إذن أنّ الصين تحاول اقتحام أسواق العالم بالسلع الرخيصة الثمن، وهذا يمنحها موقعاً محترماً في الصراع على التموضع الاقتصادي العالمي، لذلك فإنّ التنين الأصفر بتطوره الاقتصادي والعلمي هو الوحيد خارج دائرة روسيا واليابان الذي يمتلك القدرة على منافسة الأميركيين، لذلك فإنّ العالم المقبل الذي يبتدئ بعد العام 2050 لتمسك الصين بقسم كبير من الاقتصاد العالمي على مستوى السيطرة الكاملة على السلع الرخيصة السعر وطريقة تصريفها.
هذا العالم يترقب إذاً الإمساك الصيني بالاقتصاد الرخيص السلعة ليتحوّل الى ساحة قتال بكلّ أنواع الأسلحة الاقتصادية فينفرز الى صيني ومعها روسيا بإمكانات محدودة مقابل أميركا ومعها كما يفترض القسم الأكبر من أوروبا. ولكن أين تقف أوروبا من هذا الصراع؟ انها مجموعة دول صناعية ضعيفة سياسياً لا يسمح لها الأميركيون الانتشار السياسي خوفاً من الهيمنة الاقتصادية، لذلك فإنّ من مصلحة أوروبا الانتشار السياسي كخطوة لإدراك التفوّق الاقتصادي وهذا يعني نشوب صراع أميركي أوروبي تستفيد منه الصين بشكل أساسي.
هذا يؤكد انّ أوروبا وأميركا واليابان والصين راحلون نحو أفريقيا للبحث عن مواقع تصريف جديدة لإنتاجهم، وذلك لسبب أساسي، لأنّ أفريقيا مجال اقتصادي جديد فيه ثروات اولية ضخمة وليست متطورة اقتصادية، وبذلك يصبح القتال الأميركي الأوروبي الصيني الياباني مكشوفاً، ويخترق القارة الأفريقية اقتصادياً وثقافياً، يكفي هنا القول انّ الصين واليابان تعرضان إنشاء مدارس وجامعات في القارة الأفريقية وذلك في إطار خطة مدروسة للسيطرة على بلدانها، لكن أميركا وأوروبا متريثتان في المقابل في الاختراق الثقافي للصين لأنّ اهتمامهما ينصب على الهيمنة الاقتصادية الصرفة كوسيلة لتجميد التخلف في القارة السوداء.
بذلك تبقى جزيرة العرب حتى منتصف اليمن وكامل القارة الأفريقية هي محط الصراع الأميركي الصيني الياباني الأوروبي.
وتحتفظ بلاد العرب بتخلفها وترحل أفريقيا نحو نمط تطور اقتصادي يصدر ولا ينتج منتظراً ما يقدّمه له العالم الغربي، لكن أفريقيا تبقى في مقبل الأيام جزءاً من النظام الغربي يدافع عنه مقابل سيطرته على موارده الاقتصادية ولا يتبدّل العالم إلا باقتحام أفريقيا الاقتصاد العالمي الى جانب اقتصاد شبه جزيرة العرب، كآليات قابلة للإمساك الغربي الكبير بها.
وهكذا مقابل السيطرة الاقتصادية يمسك الغرب بالهيمنة الاقتصادية، وبالتالي الهيمنة السياسية ويعود العالم كما كان تقريباً في القرن العشرين أيّ هيمنة غربية سياسية واقتصادية، مقابل تزويد البلدان غير المنتجة بكميات انتاج وافر بأسعار تدفع أثمانها من أسعار المواد الأولية الوافرة، وهكذا يقوم العالم من جديد على تصريف مواد أولية مقابل تزويد نظم الإنتاج بما تحتاجه من أموال وحاجات اقتصادية.
العالم إلى أين؟
تبدو الصورة المقبلة للعالم مقسومة بين تفوّق أميركي وسيطرة صينية وتحرشات يابانية وأوروبية فيبقى العرب في أسفل التطور الاجتماعي وكذلك الأفارقة، فيعود النظام الاقتصادي الأميركي الى قيادة العالم ولا ينافسه إلا الصينيون الوحيدون القادرون على التأثير على الأميركيين وجعلهم يقبلون بقوة التقدّم الاقتصادي بالمشاركة الاقتصادية في جزيرة العرب وأفريقيا.
وتستطيع الصين بسلعها الرخيصة ان تفرض على الاميركيين تقديم تنازلات اقتصادية، وبالتالي سياسية، وإلا فإنها قادرة على اختراق الأسواق العالمية، لكن العالم لن يخرج في الخمسين سنة المقبلة من صراع أميركي ـ صيني قد ينتهي لمصلحة تحسين أسعار السلع والدفع بالاقتصادات العالمية نحو الكثير من التعاون.