الرفيق رفيق يوسف الحلبي أول مدير لمديرية الطلبة وأول رفيق غادر إلى غانا
من رفقاء الرعيل الأول، ومن الذين ساهموا في تأسيس الحزب في المناطق، يبرز اسم الرفيق رفيق الحلبي من بين الأوائل، ليس فقط من ناحية تاريخ الانتماء، وهو قد أدى القسم على يد سعاده عام 1934(1)، إنما لكونه أول مدير لمديرية الطلبة في بيروت، وأول رفيق غادر إلى شاطئ الذهب (غانا) ليكون مؤسس العمل الحزبي فيها، ولتصبح لاحقاً من أهم فروع الحزب عبر الحدود، وقد برز فيها الأمناء أسد الأشقر، أمين الأشقر، نسيب عازار، إبراهيم دانيال، ومئات الرفقاء الذين تعاقبوا على السفر إليها والاستقرار في مدنها ومناطقها، وفيها تأسّس ناديان قوميان اجتماعيان، في كل من أكرا وكوماسي. إلى ذلك استمر الرفيق رفيق على تواصل مع أصدقائه الكثيرين الذين عرفهم في سنوات الدراسة، وتوزعوا لاحقاً في مغتربات ليبيريا، نيجيريا، سيراليون وفرناندوبو (سانتا إيزابيل).
وإلى جانب كونه أول مدير لمديرية الطلبة وأول رفيق غادر إلى شاطئ الذهب، فإنّ الرفيق رفيق الحلبي كان وراء تأسيس الحزب في بلدته بشامون، التي تولى مسؤولية مدير مديريتها الرفيق خطار أبو إبراهيم (الشاعر، الأمين لاحقاً) وكانت تضمّ رفقاء من عين عنوب، سرحمول وغيرهما من القرى المجاورة، إلى أن انتشرت العقيدة القومية الاجتماعية في منطقة الغرب الساحلي، لتغدو بفضل رفقاء آخرين، من معاقل الحزب في لبنان. نذكر منهم على سبيل المثال الأمناء محمد أمين أبو حسن، حسن ريدان، محمد القاضي، محمد العريضي، كامل حسان، فؤاد صعب، نجيب طعان صعب، والرفقاء حبيب حرب، توفيق نور الدين، شقيقه شفيق، وعجاج أبو شكر الذين نأمل أن نتمكن ذات يوم من الحديث المستفيض عنهم ونشرح عن نضالاتهم وعن أفعالهم في سبيل القضية التي كانت بالفعل حياة لهم.
ولد الرفيق رفيق يوسف الحلبي(2) في بشامون عام 1914. بعد أن تخرّج من مدرسة سوق الغرب عام 1932 حائزاً على الشهادة الثانوية High school تابع دراسته في المدرسة العلمانية الفرنسية (اللاييك) وعام 1934 التحق بالجامعة الأميركية ليمضي فيها سنتين ثم يغادرها عام 1936 إلى شاطئ الذهب.
أثناء دراسته في الجامعة الأميركية تعرّف الطالب رفيق الحلبي على سعاده، ودارت بينهما مناقشات في موضوع العروبة إذ كان الطالب رفيق متأثراً بالموجة العربية، إلى أن أقنعه سعاده بالعروبة الواقعية التي تأخذ بها العقيدة السورية القومية الاجتماعية، وإن في غاية الحزب السعي لإنشاء جبهة عربية.
بعد انتمائه، راح الرفيق رفيق ينشط بين أترابه وزملائه فكان أن انتمى صديقه – وصديق العائلة – الرفيق شفيق شرتوني(3) الذي بدوره عمل بمساعدة الرفيق رفيق، على انتماء الرفيقين نجيب حلاوي ومحمد الباشا، ولاحقاً شهد الرفيق الحلبي على انتماء الرفيق مأمون أياس.
أول مدير لمديرية للطلبة
كان لا بدّ وقد تكاثر عدد الرفقاء الطلبة، أن ينشئ سعاده مديرية لهم. تمّ ذلك عام 1934 وأسندت المسؤولية إلى الرفيق رفيق الحلبي.
جدير بالذكر أنّ الرفقاء الذين انتموا في تلك المرحلة الأولى من تأسيس الحزب كانوا من مناطق مختلفة من سورية، وهذا مما ساعد، عند توجههم صيفاً إلى قراهم، أو بعد تخرجهم، أن ينقلوا الدعوة القومية الاجتماعية إلى أقرانهم وأصدقائهم. من هؤلاء الرفقاء الطلبة نذكر على سبيل المثال: كابي ديب من القدس، رضا رعد من عين زحلتا، زيوار العظم من دمشق، فؤاد الغريب من كفرمتى، الياس ديب من صافيتا، ظافر مكاري من أنفة، رفيق الأيوبي من عفصديق، الياس حبوش من مشغرة.
لم يتوقف نشاط الرفيق الحلبي على المستوى الطالبي، إذ يشير الأمين جبران جريج في الجزء الأول من كتابه «من الجعبة» (ص. 227) إن اثنين لعبا دوراً بارزاً في المنطقة المؤلفة من الشويفات، بشامون، عين عنوب هما رفيق الحلبي وشارل سعد(4) ثم يورد أسماء من الرفقاء الأوائل فيها: حسن قائدبيه، حسن ريدان، كامل ريدان (عين عنوب)، نجيب طعان صعب، طنوس نصر (الشويفات)، خطار أبو إبراهيم، عارف حسان، فؤاد الحلبي، نسيم أبو ضاهر، اميل أبو ضاهر وفؤاد عازار (بشامون).
بدوره يفيد الرفيق أمين سعيد نور الدين من سرحمول في مرويات له أن انتماءه إلى الحزب تمّ على يد الرفيق رفيق الحلبي، كما كثيرين غيره من الرفقاء الأوائل في بشامون والقرى المحيطة.
سفره إلى شاطئ الذهب (غانا)
في العام 1936 غادر الرفيق رفيق الحلبي إلى شاطئ الذهب(5) واستقرّ في مدينة كوماسي، فعيّن الزعيم طالب الطب الرفيق جورج الصليبي مديراً لمديرية الطلبة في بيروت التي كان يتولاها الرفيق الحلبي.
في كوماسي عمل الرفيق الحلبي على إنشاء مديرية فيها، وأخرى – لاحقاً – في أكرا، بعد ذلك تأسّست أول منفذية للحزب في غانا، مركزها كوماسي وتألفت من الرفقاء رفيق الحلبي، نسيب عازار، أمين الأشقر، شاهين شاهين وإبراهيم دانيال(6).
أوائل العام 1940، بعد أن اندلعت الحرب العالمية الثانية، ازدادت الوشايات من بعض اللبنانيين على الرفيق رفيق الحلبي – كما على غيره من الرفقاء – أدت إلى أن تفرض عليه الشرطة، التي كانت بقيادة البريطانيين (حيث كانت غانا من المستعمرات البريطانية)، عدم الابتعاد دون إذن رسمي عن كوماسي أكثر من ثلاثة أميال، وفي حال وصوله إلى أكرا عليه أن يتصل فوراً بالشرطة لإبلاغها ذلك، وبالعكس.
أثناء ذلك استدعت إدارة الشرطة الرفيق الحلبي وطرحت عليه أسئلة كثيرة حول الحزب، ومن هم مؤسّسوه في غانا. ثم طلبت إليه تزويدها بنسخة عن المبادئ، فعمل على ترجمتها إلى الإنكليزية، وقدّمها إلى إدارة الشرطة، مع شرح مختصر عن أهداف الحزب، وزوّدهم بعدد من أسماء الرفقاء. تلت ذلك جلسة مع مدير الشرطة لمزيد من الشرح انتهت إلى إعلان المدير إعجابه بمبادئ الحزب وبالرفيق رفيق الحلبي لما كان تميّز به من ذكاء وثقافة، إلى جانب إتقانه اللغة الإنكليزية(7).
النادي السوري القومي الاجتماعي
حوالي العام 1944 تنادى القوميون الاجتماعيون في كوماسي إلى تأسيس ناد فيها. وفي هذا الشأن كان دور الرفيق الحلبي أساسياً بفضل علاقته الجيدة مع السلطات، فقد تمكن من خلال ذلك الحصول على قطعة أرض في أجمل مواقع كوماسي لمدة 99 عاماً. حمل النادي اسم «النادي السوري القومي الاجتماعي».
سنوات طوال كانت فيه الزوبعة ترفرف فوق مبناه. تم تحوّل الاسم إلى «نادي غانا الاجتماعي».
ساهم الرفيق الحلبي في وضع دستور النادي، وترجمته إلى الإنكليزية. وتمّ الحصول على ترخيص به من السلطات الغانية به. حوالي العام 1947 زار غانا الجنرال سبيرس، الذي كان يملك مناجم تنقيب عن الذهب في منطقة قريبة من كوماسي. فأقامت له الجالية اللبنانية حفلة تكريمية للدور الذي قام به في معركة الاستقلال، وفي الحفلة ألقى الرفيق رفيق الحلبي خطاباً باللغة الإنكليزية خصص القسم الكبير منه للحديث عن المسألة الفلسطينية والخطر الذي يتهدّدها من جانب الصهيونية.
رسائل سعاده
وجّه سعاده عدة رسائل إلى الرفيق رفيق الحلبي:
رسالتان دون تاريخ حررتا في فترة العمل السري، قبل اكتشاف أمر الحزب في 16/11/1935.
رسالة بتاريخ أول أيلول 1946 في فترة تولي الرفيق رفيق الحلبي لمسؤولية منفذ عام غانا.
رسالة بتاريخ 9 شباط 1947.
رسالة بتاريخ 22 حزيران 1947.
ورسالة بتاريخ 19 تشرين الثاني 1947.
في رسالته هذه يقول سعاده:
« أيها الرفيق العزيز، لم يتسنّ لي الجواب على كتابك الأخير. إذ كانت المسائل التي عرض لها تقتضي شيئاً من الشرح المسهب وكانت المسائل الملحة هنا لا تترك لي مجالاً للاهتمام بالرسائل الشخصية. والآن أتى الرفيقان نايف وبديع، شقيقاك، وقالا لي إنّ بديعاً مسافر إليك غداً صباحاً فأحببت أن أرسل إليك كلمة عجلى.
لم أطلب المبلغ الذي كلفت أسداً (يقصد الأمين أسد الأشقر) دفعه لي. لأني لا أقدر أن أقترض مالاً إذ كل ما أملك ليس لي وكل ما يأتيني ليس لي.
إنّ مسألة خيانة نعمة ثابت ومأمون أياس أصبحت واضحة وإذا احتجت إلى تفاصيل أوسع أمكن عمدة الإذاعة ومكتب عبر الحدود إعطاءك إياها.
رحلة عميد الإذاعة
إنّ الغرض الرئيسي من تقرير رحلة عميد الإذاعة (يقصد د. فايز الصايغ) في هذه الظروف إلى شاطئ الذهب هو المال. أما الناحية الإذاعية فلم تكن موضع بحث لأنّ مسألة الإذاعة الحزبية كانت قد أصبحت مشكوكاً بها نظراً لأن الرفيق فايز صايغ يذيع بالأكثر لتعاليم كاتب فلسفي روسي يدعى برديايف ولصاحب نظرة فلسفية دينية ـ شخصية يدعى كركيقارد وليس لتعاليم أنطون سعاده. وإذاعته لتلك التعاليم واضحة في محاضرته «الهدف» ومحاضرته «القومية الإيجابية» المنشورتين في كتابه «البعث القومي» وفي كتابه «نداء الأعماق». وهذه التعاليم، على ما فيها من ألوان فكرية جديدة يحسن إطلاع الفكر السوري عليها للإطلاع، هي مخالفة لتعاليمنا القومية الاجتماعية التي تقول إنّ المجتمع ـ الأمة ـ وخيره ومثله العليا هي غاية النهضة والغاية الأخيرة للاجتماع. فتلك التعاليم الغريبة التي ينقلها الرفيق صايغ عن برديايف وكركيقارد تقول بالعكس. «الشخصية الفردية ونموها هي غاية المجتمع». «المجتمع عدد من البشر ليس إلا»، «الشخصية (الفردية) لا يمكن أن تكون واسطة لشيء» أنظر («الهدف») وهذا التعليم يجعل المجتمع واسطة للشخصية لا الشخصية واسطة للمجتمع. فالرفيق فايز صايغ لا يريد التبشير بتعاليم سعاده، بل بتعاليم برديايف. وهذه النظرة خطرة جداً على العقيدة والقضية القوميتين الاجتماعيتين. ولم أكن قد وقفت عليها واهتممت لها إلا مؤخراً حين ابتدأت الحكومة اللبنانية تتراجع تحت ضغط قوة الحزب. والآن ستصبح هذه المسألة موضوع نظر وبحث مجلس العمد. إذ سأطلب من الرفيق صايغ تعيين موقفه من العقيدة القومية الاجتماعية.
أحب أن أعلم ما كان فحوى محاضرات الرفيق صايغ وهل ذكرت التعاليم القومية الاجتماعية أم اقتصرت على تعبيرات الرفيق صايغ عن الفرد والمجتمع من المدرسة الفكرية الشخصية الغريبة عن المدرسة القومية الاجتماعية الموضوعة تعاليمها في كراس المبادئ المشروحة وفي «نشوء الأمم» وفي خطب الزعيم ومحاضراته وأحاديثه.
إذا رأيت أن ترسل إليّ تقريراً مفصلاً في هذا الصدد أديت خدمة أخرى لسلامة العقيدة والقضية القومية الاجتماعية».
دمت للحق. أقبل سلامي. لتحي سورية».
وفاتـه
توفي الرفيق رفيق الحلبي بتاريخ 15 حزيران 1949، أي قبل ما يقارب الثلاثة أسابيع من استشهاد سعاده. فور وصول نبأ الاستشهاد، عقد اجتماع لجميع القوميين الاجتماعيين في منزل المنفذ العام الرفيق إبراهيم دانيال (منح لاحقاً رتبة الأمانة) في كوماسي وقرّروا فيه متابعة نشاطهم الحزبي، وتبعت ذلك اتصالات مع الفروع في المغتربات من أجل متابعة المسيرة الحزبية. فسعاده وقد استشهد، كان يعلم أن رفقاءه سيتابعون المسيرة، وأنهم باقون، ومستمرون في حمل مشعل النهضة، فمن وعى الحقيقة وأدرك حقيقة أمته لن يعود إلى الوراء، ولن تغيب عن أعماقه المبادئ التي بها آمن، واعتنق.
هوامـش
يفيدنا شقيقه الرفيق أنيس الحلبي أنه في صيف العامين 1934 و 1935 كان يتردد إلى الرفيق رفيق في «بشامون» قادمين من شملان مشياً على الأقدام، الرفقاء نعمة ثابت، مامون أياس، جبران جريج، محمد القاضي وغيرهم من الرفقاء».
كان الشيخ يوسف الحلبي من وجهاء بلدة بشامون والمنطقة. انصرف إلى أملاكه الكثيرة بعد أن كان اغترب إلى أفريقيا.
من بلدة شرتون، توظف في دوائر قصر العدل، وكان ثاني رفيق يفقد وظيفته إثر انكشاف أمر الحزب. الأول هو معاون مفوض الشرطة في بيروت الرفيق أسعد الأيوبي. كانت هنالك صداقة عائلية قديمة تعود إلى أواسط العشرينات من القرن الماضي، تجمع عائلتي الشيخ يوسف أسعد الحلبي، والد الرفيق رفيق والشيخ حبيب صالح الشرتوني، والد الرفيق شفيق.
صاحب المدرسة المعروفة باسمه في الشويفات، تولى مسؤولية منفذ عام بيروت في أوائل العام 1935، طرد من الحزب.
كانت مستعمرة بريطانية، وبقي اسمها “شاطئ الذهب” حتى العام 1947، ثم تحولت إلى “غانا”.
نسيب عازار: من عينطورة، منح رتبة الأمانة، شهيد مجزرة عينطورة. عرف بـ «قديس الحزب».
شاهين شاهين: من المحيدثة، بكفيا، توفي العام 1957.
أمين صليبي الأشقر: من ديك المحدي، تولى مسؤولية منفذ عام غانا، منح رتبة الأمانة عام 1961.
إبراهيم دانيال: من بيت مري، تولى بدوره مسؤولية منفذ عام غانا. منح رتبة الأمانة أواسط الخمسينات من القرن الماضي.
عرف عن الرفيق رفيق الحلبي ذكاؤه الخارق، شجاعته، وكان محبوباً ومحترماً، من جميع الذين تعرّفوا إليه.