هل «حرب» البيانات حول تأليف الحكومة «بروفة» للآتي أم هو ضغط لولادة الحكومة أو الانفجار…؟
} علي بدر الدين
«حرب» البيانات المحدودة السقف والوقت التي استعرت أمس الاول، على غفلة من الجميع وبلا مقدمات بين المكتبين الإعلاميين لرئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وتبادل الاتهامات حول من يتحمّل مسؤولية تعطيل تأليف الحكومة وإنْ كانت مقنّعة أو مبطنة لتأمين مخرج «لائق».
ربما كانت «بروفة» لما هو متوقع وآتٍ، لا سيما إذا ما قرّر الرئيس المكلف سحب أوراق اعتماده من قصر بعبدا من مهمتي التكليف والتأليف، وقلب الطاولة والعودة «المظفرة» الى نادي رؤساء الحكومات، الذي له اليد الطولى، في رسم خريطة التأليف، وامتلاك أوراق وشروط التفاوض والقرار، يعني هو الملقن من خلف الستار للممثل على مسرح التكليف والتأليف.
بطبيعة الحال، فإنّ لفريق رئيس الجمهورية شروطه المماثلة وإنْ اختلفت العناوين، إنّ لجهة الحديث عن الحصول على ما يسمّى بالثلث المعطل، أو لجهة «الاختلاف» بين الرئيسين والفريقين على توزيع الحقائب وحصة كل فريق من الحكومة وجنتها الموعودة، والتعاطي معها، كأنها عقار سائب خاضع للمساومة أو للسباق في وضع اليد عليه، وتقاسمه حصصاً وأسهماً على مجمل المنظومة السياسية الحاكمة، أما الشعب الذي يقيم على هذا العقار فهو مجرد شرائح بشرية ملحقة به، ومقيّدة بسلاسل وأحكام وتسلّط هذه المنظومة، وقد تقاسمتها ورهنتها ودجّنتها منذ زمن، وحوّلتها إلى مجموعات متنافرة من العشائر والقبائل والطوائف والمذاهب والجماعات الخاضعة والمطواعة، المسلوبة الإرادة والقرار والكلام والفعل، لا حول لها ولا قوة ولا حقوق، كلّ ما عليها فعله، هو البحث اليومي عن حقوقها الضائعة ومقومات عيشها في ظلّ سوق سوداء لا ترحم، وعليها أن تتعلم كيفية تنظيم الصفوف والوقوف في طوابير الذلّ والهوان على محطات الوقود والأفران، والتنقل بين صيدليات المنطقة، وربما خارجها للبحث عن حبة دواء لمرض مستعص او مزمن أو طارئ من دون جدوى، لأنّ الأزمات والمشكلات القائمة لن تحلّ، وحبل المعاناة سيطول، بفضل محتكري الأدوية والغذاء والمحروقات الذين أخفوها تحت سابع أرض، ليسودوا حياة الشعب الفقير والمريض من أجل ان يجمعوا ثرواتهم السوداء، على حساب هؤلاء الموجوعين الذين يئنّون من قساوة الألم وظلم ذوي القربى، وفساد المنظومة السياسية الشريكة في المسؤولية عن انهيار الدولة ومؤسساتها وتفقير الشعب وتجويعه، وحماية «المافيات» وتجار الإحتكار، إما بتأمين الغطاء لهم، او بمنع الاقتراب منهم، وإحاطتهم بالخطوط الحمر التي لا يجرؤ احد على تجاوزها، أو أنّ أصحاب رؤوس الأموال والمحتكرين والمستوردين، أصبحوا أقوى من الدولة وأجهزتها وسلطاتها، وهذا يعني على لبنان السلام، وعلى شعبه الضياع بين «مطارق» الحاكم و»سنادين» الفاسدين والسارقين والمتغوّلين.
قد تكون «حرب «البيانات التي هدأت بسرعة وتبرّأ منها من أشعلها من الفريقين المعنيين مباشرة بالتأليف، وتمّ «إسكات المدافع» الاتهامية فجأة، والتراجع عن كلّ ما قيل في لحظة غضب غير محسوبة، ولعن الشيطان الذي وسوَس في العقول والنفوس، وإعادة تصويب بوصلة الاستهداف، والتنكر لما حدث على قاعدة «العودة عن الخطأ فضيلة»، والانطلاق مجدّداً من المربع الأول وإتخام الناس بالوعود الكاذبة مجدداً، والتحضير لجولات متتالية من خوض معارك وهمية حول تأليف الحكومة، لأن لا أحد منكم يرغب بتأليفها، ولا قدرة لكم أو قرار لأنه لا يزال خارج الحدود.
كلّ ما يحصل حول التأليف هو مجرد سيناريوات متفق عليها، مباشرة أو بالواسطة لملء الفراغ السياسي وإمرار الوقت وإلهاء الناس بفقرهم وجوعهم ومرضهم وبحثهم عن حقهم المفقود والمخبّأ في المخازن والمستودعات، بانتظار رفع الدعم، المرفوع منذ زمن بقرار من التجار الفجار شركاء بعض من السلطة.
لم يعد أحد من الشعب اللبناني يصدّق او يثق بهذه المنظومة السلطوية الفاجرة والوقحة المنافقة بالأدلة والشواهد، وهي تمارس ساديتها عليه، وتغتصب حقه، وتحتكر دواءه وتحرمه حتى من رغيف الخبز، وهي أصبحت كمثل الراعي الذي كان يستغيث الناس لمساعدته في ردّ الذئب عن غنمه، ويتبيّن أنه يكذب على أهل القرية، إلى أن حصل وهاجم الذئب فعلاً الغنم، وطلب الراعي المساعدة من الناس، فلم يستجيبوا لاستغاثته وصراخه، وتوقعوا أنه يكذب كالعادة، حتى تمكن الذئب من القطيع. ولم تعد تنفع هذه السلطة مقولة، اكذب، اكذب ثم اكذب حتى يصدّقك الناس، هذا زمن ولّى، والحساب آت ولو بعد حين، ولن يطول وقته، وبات اللبنانيون أمام خيارين، فإما انّ الضغط يولد الحكومة أو الانفجار الذي لا بدّ منه، او أنّ ما حصل هو «بروفة» لما هو آتٍ ومتوقع.