أولى

ليبيا بين شبح التقسيم واستمرار الأزمة…!

 د. محمد سيد أحمد

ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن الأزمة الليبية ولن تكون الأخيرة، ذلك لأن ليبيا العربية تتعرض لمؤامرة كبرى منذ مطلع العام 2011 والقوى الإمبريالية العالمية تتأرجح خيارتها بين التقسيم واستمرار الأزمة، ومن يقرأ التاريخ سيعلم حتماً أن الأطماع الغربية في ليبيا ليست وليدة اللحظة الراهنة، بل هي حلم قديم ففي 3 تشرين الأوّل/ أكتوبر 1911 بدأ الغزو الإيطالي لليبيا بدعوى أنّ الإيطاليين جاؤوا لتحرير الليبيين من الحكم العثماني، ورغم المقاومة العنيفة من الليبيين للغزو إلا أن الدولة العثمانية المحتلة لليبيا في ذلك الوقت قامت بتسليم ليبيا إلى إيطاليا عبر توقيع الطرفين اتفاقية تعترف بموجبها الأستانة بامتلاك إيطاليا لليبيا في ما عرف بمعاهدة لوزان في 15 تشرين الأول/ أكتوبر 1912، وبعد يومين أصدر فيكتور عمانويل الثالث ملك إيطاليا منشوراً إلى سكان طرابلس وبرقة بأنّ طرابلس وبرقة أصبحتا خاضعتين خضوعاً مطلقاً للسيادة الإيطالية.

 وعلى الرغم من ذلك لم يستتبّ الأمر لإيطاليا حيث شكلت المقاومة الليبية بقيادة شيخ المجاهدين عمر المختار صداعاً دائماً في رأس المحتلّ الإيطالي الذي لم يتمكن من التقاط أنفاسه إلا في 11 أيلول/ سبتمبر 1931 عندما وقع عمر المختار في الأسر، وفي 15 أيلول/ سبتمبر 1931 انعقدت له محكمة خاصة قضت بإعدامه، وتمّ تنفيذ الحكم في 16 أيلول/ سبتمبر 1931 في بلدة سلوق أمام جموع غفيرة من أبناء الشعب الليبي، وفي 1934 قامت إيطاليا بدمج إقليمي طرابلس وبرقة كإقليم محتلّ واحد تحت الاسم التقليدي للبلاد ليبيا.

استمرت ليبيا تحت الاحتلال الإيطالي حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية والتي خاضتها إيطاليا مع دول المحور (ألمانيا واليابان) في مواجهة دول الحلفاء (بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية) وانتهت المواجهات في معركة العلمين الشهيرة بانتصار دول الحلفاء على دول المحور وكانت هذه المعركة إيذاناً بانتهاء الاحتلال الإيطالي مطلع العام 1943، وعليه قسمت الساحة الليبية إلى قسمين الشمال الليبي البريطاني والجنوب الليبي الفرنسي.

وبالاحتلال البريطاني للشمال الليبي 1943 سمحت القوات البريطانية للولايات المتحدة الأميركية باحتلال مطار الملاحة المستخدم سابقاً من قبل الطليان واستخدامه كقاعدة عسكرية لقواتهم الجوية، وقد عرف المطار بقاعدة هويلس الجوية الأميركية الواقعة على بعد بضعة أميال شرق طرابلس، وسعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ ذلك التاريخ للاحتفاظ بهذه القاعدة ـ إدراكاً منها بأهميتها الاستراتيجية ـ عبر التفاهم مع الدولة التي تحكم طرابلس بغض النظر عمن هي هذه الدولة لذلك كانت الولايات المتحدة أكثر ميلا لمنح إيطاليا الوصاية على كل ليبيا أو جزء منها.

وخلال الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية تم فرض الوصاية على ليبيا بعد تقسيمها إلى ثلاثة أقاليم حيث فرضت الوصاية الإيطالية على طرابلس والوصاية البريطانية على برقة والوصاية الفرنسية على فزان، على أن تمنح ليبيا الاستقلال بعد عشر سنوات من تاريخ الموافقة على مشروع الوصاية، وعندما عرض المشروع للتصويت على الجمعية العامة للأمم المتحدة باء بالفشل وأصدرت الجمعية القرار رقم 289 في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 1949 يقضي بمنح ليبيا استقلالها في موعد لا يتجاوز الأول من كانون الثاني/ يناير 1952.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر 1950 تكوّنت جمعية تأسيسية من 60 عضو يمثل كلّ إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة 20 عضواً، وفي 29 آذار/ مارس 1951 أعلنت الجمعية التأسيسية عن تشكيل حكومة اتحادية، وفي 24 كانون الأول/ ديسمبر تمّ إعلان الدستور واختيار إدريس السنوسي ملكاً للمملكة الليبية المتحدة، وظلت القوى الاستعمارية مهيمنة في ظل الحكم الملكي حتى قامت ثورة الفاتح من أيلول/ سبتمبر 1969 بقيادة معمر القذافي ليقوّض حكم المملكة الليبية ويعلن عن نشوء الجماهيرية العربية الليبية، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت ليبيا أحد أهمّ الدول المناهضة للاستعمار، وأصبح معمر القذافي شوكة في حلق كلّ القوى الاستعمارية في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي قام بطرد قاعدتها العسكرية الاستراتيجية من فوق الأراضي الليبية.

 ومع مطلع العام 2011 تعرّضت ليبيا إلى مؤامرة حقيقية بهدف تقسيمها وتفتيتها والاستيلاء على ثرواتها حيث أطلقت الولايات المتحدة الأميركية إشارة البدء للربيع العربي المزعوم، وللآسف الشديد قامت الجامعة العربية المزعومة بالموافقة على قرار غزو ليبيا بواسطة الآلة العسكرية الجبارة لحلف الناتو، التي تصدّى لها الشعب الليبي وجيشه وقائده لمدة ثمانية أشهر كاملة حتى استشهد العقيد معمر القذافي وسادت الفوضى البلاد نتيجة انتشار المليشيات الإرهابية المسلحة التي جلبتها قوات الناتو من كلّ أصقاع الأرض.

وعلى مدار السنوات العشر الماضية يبحث الليبيون عن حلّ لأزمتهم المستفحلة، وتحاول قوى العدوان على ليبيا عبر المنظمات الدولية التي تسيطر عليها في طرح حلول، ومن بين هذه الحلول التي طرحت مؤخراً تعيين حكومة مؤقتة لإدارة البلاد برئاسة عبد الحميد الدبيبة عبر انتخابه في ملتقى الحوار الليبي في 5 شباط/ فبراير الماضي، على أن تعقد انتخابات برلمانية ورئاسية في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل سينتهي شبح التقسيم القائم الآن في ليبيا وهل ستحل الأزمة الليبية؟

  والإجابة القاطعة تقول إنّ سير الأحداث على الأرض لا ينبأ بزوال شبح التقسيم، ذلك لأنّ القوى المتصارعة على الأرض الليبية لم ولن تتفق، ولم تتمّ حتى الآن مصالحة وطنية حقيقية بين كل الفرقاء الليبيين، ولا تزال القوى الاستعمارية الغربية تدعم أطراف على حساب أطراف، وهذه القوى الاستعمارية مصالحها متضاربة مع بعضها البعض، وكل منها يسعى لسرقة ونهب أكبر جزء من ثروات الشعب الليبي، ولا تزال الميليشيات المسلحة من الجماعات والتنظيمات التكفيرية الإرهابية تتمركز على الأرض هنا وهناك، لذلك حتى لو تمّت الانتخابات في موعدها ستجد من يرفض نتيجتها إذا لم تأت لصالحه، لذلك سوف تستمر الأزمة الليبية لأن القوى الإمبريالية العالمية المسيطرة على المشهد الليبي لا ترغب في الوصول لحل، فالموقف الليبي الراهن يتأرجح بين شبح التقسيم واستمرار الأزمة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى