رجع أيلول
«عاد أيلول ليغمضَ عيونَ الموت..عاد ليُلبِسَ عروسة الحدائق ثوب الغناء وينفضَ عن ورق المواسم صُفرة الرحيل المُتعب.. عاد بعد أن تنشّقت رئتاه دخانَ الوجع الذي نفثته بيروت وفاحت به أنفاسُ المتعبين..
عاد أيلول ليمسحَ عن جبين الصيف عرقَ الخيبات و عن وجهِ البحرِ شحوبَ زبَدِه..
ليس الدخان والوجع والتنهيدات والآهات والصراخ
ما رفع الركامَ والثقلَ عن صدر بيروت، فالعالم مليء جدا بذلك الضجيج..
بل كان ناي فيروز ووحي جبران.. كان موال الصافي وشموخ صباح.. كان بوح القصائد المعلقّة في ذاكرة الوقت والأغاني المترعة بأمنيات العاشقين..
كان فنجان جارتنا الذي يبصم الطريق إلى الأمل في قعر همساتها له… كان وشوشة أم لشهيدها في حلم استحضرته ذات لهفة..
كان شوق أرملة لزوجها الغائب في عتمة الفقدان، وشغف طفلة تبحث في وسادتها عن حكايات أبيها لعلّها تجد ما يبعد عنها وحشة ما قبل النوم..
كان الخير الذي يتجمّع في كف العطاء… والدعاء الذي يُنصت إلى توسّل فقير يعاتب السماء.. كان تربيتة الضوء على كتف صنين وتلويحة الطير الذي يتقفى مراسيله..
كلُّ ذلك النور الكثير الرماد ما هو إلا إيمانٌ يشق الصباح بأغنية فيروزية:.. «رجع أيلول»..