مَن ولماذا يعرقلون فرص تشكيل الحكومة؟
} أحمد بهجة*
منذ استقالة حكومة الرئيس الدكتور حسان دياب،
بعد أيام على الانفجار ـ الكارثة في مرفأ بيروت، ينتظر اللبنانيون ولادة حكومة جديدة تكون قادرة على القيام بالحمل الكبير المتمثل بهذا الكمّ الهائل من الأزمات التي لا تعدّ ولا تحصى، وأهمّها الأزمة المعيشية اليومية التي تقضّ مضاجع اللبنانيين جميعاً.
لكن ما يدعو للأسف أننا لا نزال ندور في الحلقة المفرغة نفسها، لأنّ الاستجابة لانتظارات اللبنانيين لا تكون بحكومة مشابهة لما كانت عليه الحكومات خلال السنوات الثلاثين الماضية، حتى لو تغيّرت فيها بعض الوجوه والأسماء، لأنّ المشكلة هي في التمسك بالسياسات الخاطئة نفسها، رغم معرفة الجميع بأنّ تلك السياسات أوصلتنا إلى الهاوية التي نحن في قعرها الآن وأصبحنا نحتاج إلى حكومة فيها وزراء جبابرة من أصحاب الأكتاف القوية والإرادة الصلبة حتى يستطيعوا تحمّل الأعباء الملقاة على عاتقهم.
وإذا أردنا فعلاً إنقاذ بلدنا وشعبنا، فلا بدّ للحكومة المقبلة من أن تتخذ القرارات الجريئة من دون انتظار أيّ ضوء أخضر من الخارج، بل فقط البحث في كيفية تحقيق مصلحتنا الوطنية وآمال شعبنا وتطلعات أجيالنا الصاعدة.
لكن ما نراه اليوم هو عبارة عن تضارب مصالح بين مشروعين أساسيين يتصارعان في لبنان وفي المنطقة، حيث هناك المشروع الأميركي ومن يدور في فلكه في الداخل الذي لا يريد الوصول إلى تشكيل حكومة تعبّر فعلاّ عن موازين القوى الداخلية، لأنها في غير مصلحته، وهو عمِل أساساً على إسقاط حكومة الحريري وعرقلَ عمل حكومة دياب، فقط لأنه لا يريد للفريق الآخر أن ينجح في إدارة البلد.
أما المشروع الذي يحقق مصلحة لبنان وشعبه فهو المشروع المقاوم الذي نراه كلّ يوم يبتكر الحلول ويتخذ الإجراءات التي يستطيع اتخاذها في ظلّ غياب المبادرات الرسمية التي يكبّلها الحاكم بأمر المال والمصارف ويحول دون إقرار أي إجراء إنقاذي، بل على العكس من ذلك تماماً، حيث نرى أنّ العرقلة مستمرة، وهناك ما يشبه قطع النفس عن الناس لمنع لبنان من الانطلاق نحو الحلول الجدية الملموسة.
لذلك نجد أن الأمور تعود إلى المربع الأول كلما لاحت فرصة للخروج بحكومة ولو في الحدّ الأدنى من التوافق والتراضي بين الأفرقاء السياسيين… ويبدو من الأجواء الملبّدة في الأيام الأخيرة على خط تشكيل الحكومة الجديدة، أنّ الأمور تتجه إلى المزيد من التعقيد، رغم أنّ رئيس الجمهورية يؤكد مرة تلو أخرى أنّ هناك جهوزية تامة لجعل الحكومة تبصر النور، لكن لا شك أنّ هناك قطبة مخفية تعرقل الولادة، وهي على الأرجح مترابطة بين الداخل والخارج، وحين يُقال الخارج لا يكون المقصود فقط السعودية التي رفعت الفيتو بوجه الرئيس سعد الحريري، وربما العرقلة اليوم آتية من أمكنة أخرى لها علاقة بالمفاوضات الأميركية – الإيرانية، حيث يحاول الأميركيون مجدّداً ربط المفاوضات بملفات أخرى إضافة إلى الموضوع النووي، بينما الموقف الإيراني القديم المتجدّد يرفض مثل هذا الربط ويُصرّ بشكل مطلق على أن تكون المفاوضات محصورة بالملف النووي تماماً كما كانت في السابق خلال المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق النووي عام 2015 قبل ان ينسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
في ظلّ هذه المعطيات يصبح أمر تشكيل الحكومة معلقاً، وفي هذه الأثناء يلاحَظ أنّ هناك تفعيلاً عملياً لحكومة الرئيس حسان دياب، وقد ظهر هذا الأمر جلياً من خلال الزيارة الرسمية الأولى منذ عشر سنوات لوفد الوزاري إلى دمشق، لبحث إستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سورية، والتي كانت نتائجها إيجابية جداً، وبناء على هذه النتائج عُقد الاجتماع الوزاري الرباعي في عمّان بيت سورية ولبنان والأردن ومصر للبحث في الموضوع نفسه، وأيضاً هناك إيجابيات وسوف تتمّ متابعة الأمر في اجتماعات لاحقة لمعالجة الأمور الفنية واللوجستية التي يتطلبها تنفيذ هذه الخطوة.
وهناك مؤشر آخر على تفعيل حكومة الرئيس دياب من خلال الإعلان عن بدء العمل بالبطاقة التمويلية التي طال انتظارها وتأخر إطلاقها لكي تكون باكورة أعمال الحكومة الجديدة، من خلال تقديم شيء إيجابي للمواطنين، خاصة بعد رفع الدعم عن معظم السلع الأساسية، وانتظار رفع الدعم عن المحروقات في الأيام القليلة المقبلة.
على أنّ الأمر الذي لا يجب ألا يغيب عن الأذهان هو إعادة تفعيل المجلس الأعلى اللبناني السوري لما لهذه الخطوة من رمزية معبّرة في هذه المرحلة تحديداً، خاصة حين تكون الأمور مرتبطة أيضاً بالأردن ومصر وغداً بالعراق وغيره من الدول العربية والصديقة في إطار التوجه شرقاً الذي لا حلّ جذرياً لمشاكل وأزمات لبنان إلا من خلاله، وقد لاحت بشائر أوّل الحلول مع وصول السفينة الأولى المحمّلة بالمحروقات الإيرانية إلى أحد المرافئ السورية تمهيداً لنقلها إلى لبنان، تأكيداً لما يُقال بأنه لا يصحّ إلا الصحيح.