العودة إلى الاتفاق النووي… بلا شروط
ناصر قنديل
– رغم الكلام الفارغ الصادر عن المسؤولين الأميركيين، تحت عنوان أنّ واشنطن لن تواصل التفاوض حول الملف النووي الإيراني إلى ما لا نهاية، وعن خيار التخلي عن الاتفاق النووي، أو عن وجود بدائل للعودة إلى الاتفاق، يعرف كل مسؤول في واشنطن وتل أبيب والرياض وباريس ولندن وبرلين أن ليس في جعبتهم شيء غير العودة إلى الاتفاق، وأنّ كلّ الطلبات الإضافية كأثمان للعودة، سواء في الملفات الإقليمية أو ملف الصواريخ أو إبقاء بعض العقوبات، سيعني عدم العودة، كما يعرفون أنه عندما تقول إيران إنها لن تواصل التفاوض إلى ما لا نهاية وإن لديها بدائل للاتفاق، فيجب أن يأخذوا كلامها على محمل الجد، ذلك أن الزمن يفعل لصالح إيران، وفقاً لما يقوله الأميركيون والإسرائيليون وما قاله بالأمس مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، عن أنّ إيران تستثمر الوقت لمراكمة المزيد من اليورانيوم المخصّب بنسب عالية يجعلها أقرب لما يسمّونه بالحظة النووية الحرجة، وهي لحظة امتلاك ما يكفي لإنتاج قنبلة نووية.
– بالتوازي لا يملك الأميركيون والأوروبيون سوى إغواء رفع العقوبات لتحفيز إيران لقبول العودة، والالتزام بموجباتها المنصوص عليها في الاتفاق، خصوصاً أن إيران التزمت منفردة لسنتين بالاتفاق في ظل الانسحاب الأميركي بلا سبب أو مبرّر كما يقول جميع الشركاء الآخرين بمن فيهم الأوروبيون ووكالة الطاقة الذرية والأمم المتحدة عدا عن الصين وروسيا، والعودة عن العقوبات اليوم هي إعلان العودة إلى الاتفاق من الجانب الأميركي لامتلاك مشروعية مطالبة إيران بالعودة المماثلة، ووفقاً لما يقوله الأميركيون و»الإسرائيليون» أيضاً فإنّ رفع العقوبات عن إيران لم يعد يملك ذات السحر الذي كان يملكه قبل ست سنوات يوم توقيع الاتفاق في مثل هذه الأيام، حيث كانت العقوبات صادرة عن الأمم المتحدة، وهذا قد سقط إلى غير رجعة، وفتح أمام إيران الطريق لحلول اقتصادية ومالية عديدة، لم تنجح العقوبات الأميركية بتعطيلها، فالمتاجرة بين إيران وروسيا والصين وتركيا وباكستان واليابان وكوريا الجنوبية والعراق وسواها من الدول، بقيت تجد بدائل لها تتفادى العقوبات الأميركية، فيما نجحت إيران بتطوير صناعات نفطية أضعفت حاجتها لتصدير النفط الخام، كما نجحت بتطوير اقتصادها لتفادي حجم الاقتصاد الاستهلاكي والريعي لحساب الإنتاج.
– عندما تقول واشنطن إنها تستعجل العودة إلى الاتفاق النووي تسهيلاً للتفرغ لمواجهة الصين، فهل تنتظر من الصين أن تقف مكتوفة الأيدي، وهي تعلم وتقول إنها تعلم، أن الاتفاق الاستراتيجي الاقتصادي بين الصين وإيران أفقد العقوبات الأميركية فعاليتها، وأسقط قيمة العودة للاتفاق النووي بالنسبة لإيران، وجعل عائداته مجرد مكاسب إضافية لا يجوز إضاعتها، لكنها لا تستحق القتال من أجلها، فيما تعرف واشنطن أن الضفة الدولية الموازية للاهتمام الأميركي بالمواجهة التي تمثلها موسكو باتت شريكاً استراتيجياً لطهران في العديد من السياسات الإقليمية، التي تجعل الحفاظ على إيران قوية موضع اهتمام صيني- روسي، لا يمكن للأميركي تبديله لا بالإغراءات ولا بالتهديدات لكل من الصين وروسيا.
– الكلام الأميركي عن بدائل يعني شيئاً واحداً هو العودة إلى خطة الرئيس السابق دونالد ترامب التي صعد الرئيس جو بايدن على قاعدة القول بأنها خطأ جسيم، وأنه في ظلها طوّرت إيران نظام الصواريخ وطوّرت قوى المقاومة مزيداً من الحضور، وتمّ اختصار المسافة عن اللحظة النووية الحرجة من سنة إلى بضعة أسابيع كما قال كل من وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان والمبعوث الأميركي الخاص روبرت مالي مراراً، أما الرهان على الخيار العسكري، فهل من عاقل يتخيّل أنّ أحداً يأخذه على محمل الجد في ضوء المشهد الأفغاني، والتلويح بالاعتماد على ضربات «إسرائيلية» يبدو مجرد مزحة سمجة في ضوء الكلام «الإسرائيلي» والمؤيد أميركياً بأن إيران وقوى المقاومة في وضع تفوّق استراتيجي، وفائض قوة يتيح تحويل أي تحرش «إسرائيلي» جدي إلى مبرر لمواجهة شاملة لن تكون نهايتها في صالح «إسرائيل».
– مرة أخرى كما كانت الحال عليه قبل ست سنوات، لا بديل للاتفاق مع إيران إلا الاتفاق مع إيران، ومضمون الاتفاق عودة غير مشروطة عن العقوبات، على قاعدة الالتزام المتبادل بالاتفاق الأصلي من دون الرهان على متغيرات وتحوّلات، هي في غير صالح الثنائي الأميركي «الإسرائيلي».