هل ستكون حكومة إصلاح وتغيير ومحاسبة؟
} علي بدر الدين
أخيراً، ولدت الحكومة بعملية قيصرية صعبة وشاقة، ذاق اللبنانيون قبلها المرارة الحنظلية، وحلت بهم الكوارث والمآسي والأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والخدماتية، وعانوا من تداعياتها التي أصابت منهم مقتلاً، وأتخمتهم قهراً وذلاً وبطالة وحرماناً وفقراً وتجويعاً، وتحوّل معظمهم، بفعل سياسة الفساد والمحاصصة التي أنتهجتها المنظومة السياسية والمالية، إلى “قطعان” من الغنم تصطفّ مطأطأة الرؤوس وكأنّ عليها الطير، و”تنتظم” في طوابير الذلّ على محطات الوقود (البنزين والمازوت والغاز)، والأفران للحصول على ربطة الخبز، وأمام الصيدليات للبحث والسؤال عن دواء موجود ولكنه مخبّأ في مستودعات ومخازن شركات الاحتكار والطمع والجشع، ويقضون أيامهم بلياليها ونهاراتها من دون كهرباء” الدولة” أو “الاشتراك”، حتى أصبحت العتمة الشاملة صديقة سهراتهم المظلمة التي يخرقها فقط ضوء القمر، في حين تعطلت مصالحهم وأقفلت محالهم التجارية والصناعية، وفتحت أبواب “براداتهم” على مصراعيها وتحوّلت إلى “خزائن” فارغة بعد أن غادرتها الكهرباء وأصبحت “لزوم ما لا يلزم”…
معاناة الشعب تطول وتتراكم وتتفاقم وتتأزم حتى “بلغ السيل الزبى “ودخل هذا الشعب المسكين “جهنم” وبدأ يكتوي بنارها، وينتظر ترجمة الوعود التي طال انتظارها، وتأليف الحكومة التي ظلت عصية على التأليف على مدى أكثر من سنة، بسبب التناتش على الحقائب والحصص والكيدية والشروط وضمان المستقبل السياسي لهذا أو ذاك، كما حاول المؤلفون ان يوهموا الشعب اللبناني، هذا بطبيعة الحال موجود ومؤكد وموثق، لكن حقيقة تأخير التأليف، كانت في مكان آخر وخارج الحدود، وقد ثبت بكلّ الأوجه والأدلة والبراهين والمعطيات التي لا تقبل الشك أو التردّد، أنّ تأليفها ما كان ليحصل من دون تدخل وضغط وتفاهم وشروط قوى إقليمية ودولية كبرى وفاعلة ومؤثرة في المنطقة ولبنان.
إنّ تأليف الحكومات في لبنان ماضياً وحاضراً، لم يكن يتحقق من دون التدخل الخارجي، لأن لا قرار لطبقاته السياسية والمالية المتعاقبة في الاستحقاقات الدستورية والانتخابية في كلّ السلطات المعنية، ودورها يقتصر على انتهاج سياسة الفساد والمحاصصة وعقد الصفقات ونهب المال العام والخاص وتراكم الثروات والعقارات وتفقير الشعب وتجويعه وإذلاله.
المهمّ أنّ الحكومة الموعودة ولدت وأبصرت النور بعد مخاضات عسيرة، والاستعانة “بأصدقاء” إقليميين ودوليين ساهموا بتسهيل عملية الولادة وأشرفوا عليها، ووعدوا بدعمها إذا ما التزمت بقواعد الاتفاق والشروط وفي مقدّمها ولوج الإصلاح الحقيقي، الذي يبدأ من قاعدة الدولة إلى رأس هرمها من دون فساد وخطوط حمر على الفاسدين الذين يقتضي بناء الدولة القادرة العادلة محاسبتهم، أياً كانوا.
الطابة الآن باتت في ملعب الحكومة المدعومة محلياً وخارجياً، والتي تقتضي المرحلة الكارثية التي يعيشها الشعب على كلّ المستويات، أن تتحمّل مسؤولياتها ولا تضيّع الفرصة المتاحة الأخيرة أمام الشعب، الذي لطالما أغرته الطبقة السياسية بالوعود والآمال فور تشكيل الحكومة المتواضعة بالشكل، وقد تكون قوية وفاعلة بالمضمون والفعل، وكما يقول المثل “إنّ الله يضع قوّته في أضعف خلقه”.
من المبكر جداً الحكم على هذه الحكومة، أقله، انتظار بيانها الوزاري وبرنامج عملها، وأولوياتها وكيفية مواجهة التحديات، لأنّ كلّ شيء وارد في السياسة اللبنانية، القائمة على المحاصصة والمصالح الخاصة والألاعيب الاحتيالية.
كما لا بدّ من انتظار جلسة الثقة بالحكومة في مجلس النواب، ليُبنى على الشيء مقتضاه، وقد تنقلب الموازين والتحالفات والمواقف التي من شأنها أن تغيّر في المشهد الحكومي، مع عدم توقع بلوغ هذه الحال التي تعني لا سمح الله نعي لبنان ودفنه، مع أنه للأسف كلّ شيء يمكن توقعه في هذا البلد الممسوك منذ تشكله بنظام طائفي مذهبي تحاصصي مصلحي ونفعي.
الخشية أن تسلك الحكومة بعد نيلها الثقة في مجلس النواب طريق “عفا الله عما مضى” أو مقولة وزير الإعلام الجديد جورج قرداحي “المسامح كريم”، لأنّ الاستعانة بصديق أعلن عنها بوضوح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بأنه يتكل على مساعدة الدول الشقيقة والصديقة لانتشال لبنان من الغرق ولو بقشة…