هل ننتصر أم نُسحق في مواجهة الحصار؟
} منجد شريف
أصبح من الثابت أنَّ ما تمر به البلاد جزءٌ منه مرتبط بالحصار الاقتصادي، وجزء آخر بلا مبالاة المتربعين على عروش السلطات.
لا شك أنَّ لبنان بلدٌ فريد في تنوعه الديموغرافي والبيئي أيضاً، هذا ما يميّز بين أبناءه المتحدّرين من الأرياف والمدن، مما يضفي عليه طابعاً خاصاً في بنيته الإجتماعية، وحالة جذب بين البيئتين ومجتمعهما، يضاف اليها التنوع الطائفي الذي تغنى به الإمام المغيّب السيد موسى الصدر بقوله: «التعايش الإسلامي المسيحي ثروة يجب الحفاظ عليها».
ربما كان قول الإمام المغيّب رداً غير مباشر على من أرادوا من لبنان وطناً خاصاً بطائفة معينة وجعل باقي الطوائف رعايا عندها، خدمة للدولة اليهودية المزمع إنشاؤها في حينه، والتي كانت تبحث عن الكيفية لهذا الوطن وسط تلك المدّ العروبي من المشرق الى المغرب، فجرت تجزّئة العالم العربي لتتمّ الاستفادة من الحدود المصطنعة في جعلها حاجزاً أمام أيّ أمل لوحدة مرتفبة في الآتي من الأيام.
نجحت خارطة سايكس بيكو في تجزئة المشرق وولد «لبنان الكبير» بالتزامن مع دخول الجيش البريطاني إلى فلسطين ووضعها تحت الانتداب البريطاني بشخص المندوب اليهودي الأصل هربرت صموئيل، وصار لبنان مرتبطاً الى حدّ ما في مراحل تكوّن ما سُمّيَ «الوطن القومي اليهودي».
كان استقلال لبنان عام 1943 مقدمة لإعلان الدولة اليهودية، وكأنّ المستعمر أراد أن يكون لبنان بأرجحيته المارونية في حينه مبرّراً وجودياً لدولة الكيان الغاصب، وفي العام 1948 أعلنت دولة «إسرائيل».
ومنذ ذلك الحين أصبحت دولة الكيان الغاصب خط زلازل سياسية لا يهدأ وخاصة في لبنان، فمع كلّ تطوّر دولي أو إقليمي لا بدّ لهذا الزلزال أن يضرب ولو بأشكال مختلفة.
مرّ لبنان بأحداث متعدّدة سببها خط الزلازل ذاك، مما جعل طبيعة العيش فيه محفوفة بالكثير من المخاطر والمحاذير، فمع كلّ زلزال موجة هجرة ونزوح وتغيير في الديموغرافيا، والاقتصاد، بينما بقيت ثابتة الحدود التي هندسها الاستعمار الفرنسي والإنكليزي، والتي كانت بالأساس رغبة صهيونية بتوصية من الوزير اليهودي البريطاني هربرت صموئيل كتوطئة لإنشاء «الوطن القومي اليهودي».
هيمنت الصهيونية على مراكز القرار في غالبية الدول الأوروبية، بعدما استطاعت خزائن عائلة روتشيلد المالية الانقضاض على الحكم الملكي في أكثر من بلد أوروبي، وبالتالي التسلل بواسطة الديمقراطية لإحداث تغييرات في المواقف الأوروبية لجهة دعم دولة «إسرائيل».
انتقل الاهتمام إلى أميركا بعد أفول نجم بريطانيا وفرنسا، وانقلبت الوجهة من أوروبا الى الولايات المتحدة، وبسحر أفانين الصهيونية تكوّن حبل الصرة الذي يربط بين الجهتين، وصارت أميركا قطباً دولياً أحادياً وداعماً لذلك الكيان.
وأخيراً كانت الحرب التكفيرية التي جنّدت لها كلّ الشريرين في العالم لضرب دور سورية على صعيد دعمها لقوى المقاومة والممانعة.
انتهت كلّ الفصول العسكرية، ليأتي اليوم المشهد الاقتصادي، الذي بدأت معالمه تتظهّر في سياسة تجويع حقيقية، عمادها الأساس حجب الدولار في الدول المستهدفة، وما قد ينجم عن ذلك من انعكاس في سائر المتطلبات اليومية والحيوية عند المواطنين، فكان نصيب سورية ولبنان من تلك الحرب الاقتصادية وافراً، غير أنّ مركزية القرار في سوري خففت إلى حدّ كبير من وطأة تلك الحرب، أما في لبنان فقد فاقم النظام الطائفي واصطفافاته من حدة الأزمة، فاشتدّت وما زالت مستمرة في شدّتها، ومع كلّ يوم جديد مفاجأة جديدة في كلّ ما له صلة بمتطلبات الناس وحاجاتهم الضرورية، ولا حياة لمن تنادي، فالجميع مرتهن ولا من لديه القدرة على الحلّ والربط، وبتنا أمام مشهد سوريالي من القرون الوسطى، والجميع يتطلع الى طوق نجاة عله يكون على شاكلة باخرة أو صهريج، بعدما صارت المحروقات عملة نادرة ومزاداً في السوق السوداء.
لقد ساءت حظوظ الجميع من الجميع، وعلى ما يبدو أنّ التميّز الطائفي عوض أن يكون ثروة، إذ به يتحوّل الى نقمة، وكارثة تتجدّد فصولها بعناوين مختلفة، والسبب أننا لا ننتمي إلى ذات المدرسة ولا نقرأ في ذات الكتاب، فنختلف على كلّ شيء وفي كلّ شيء، حتى في مفهوم تحديد العدو من الصديق وتلك الطامة الكبرى.
فما تريده أميركا من لبنان واضح، وهي صريحة في ذلك، وبين اللبنانيين من يلاقيها في إرادتها، بينما في الجهة المقابلة من يقف لها بالمرصاد… وعليه الصراع مستمرّ بكلّ أشكاله وليس آخرها ما نواجهه، فهل سنستطيع الصمود وكسر ذلك الحصار المفروض في كلّ شيء؟
الإجابة في ما ستحمله الأيام من تدابير ضرورية لكسر ذلك الحصار والخروج منه والانتصار عليه، إن أدرك المعنيون كيفية المواجهة ومتطلباتها، وإلا فسوف يسحق كامل الشعب اللبناني تحت وطأة سيف الدولار المسلط على كلّ مناحي حياتنا اليومية.