ازدواجية المعايير الأميركية وراء تفشّي «الإرهاب» وفشلها في مكافحته
أكملت الولايات المتحدة انسحابها المستعجل والفوضوي من أفغانستان، قبل أقل من أسبوعين من الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول، منهية عشرين عاماً من الحرب على الإرهاب في البلاد، إلا أن هجوم «داعش»على مطار كابول كشف بوضوح عن فشل الولايات المتحدة في القضاء على تهديد الإرهاب.
وشنت الولايات المتحدة حربين في الشرق الأوسط لـ”مكافحة الإرهاب”، وذلك عقب هجمات 11 أيلول، إنما وبعد فقدان آلاف الجنود وإنفاق تريليونات من الدولارات، لم تتمكن أبداً من اجتثاث جذور الإرهاب، بل خلقت التربة الخصبة لتطور المنظمات الإرهابية.
وقد حان الوقت لإجراء بعض البحث الجاد عن سبب فشل الولايات المتحدة بهذه الطريقة المأساوية والمخزية، حيث تجاوز الآن عدد المنظمات الإرهابية والأفراد الإرهابيين وكثافة الهجمات ما كان عليه في عام 2001 بكثير، ولا يزال الإرهاب يشكل تهديداً كبيراً لأمن المنطقة والعالم بأسره.
بالتالي، هناك عدد من الأسباب التي تفسر الفشل الذريع بطبيعة الحال، وتأتي في مقدمتها المعايير المزدوجة لدى الولايات المتحدة في الحرب الجماعية على الإرهاب، كما شوّهت الإجراءات المشروعة للدول الأخرى لقمع الإرهاب على أراضيها. وبوضوح، تحاول الولايات المتحدة احتكار الحقوق لتحديد من هم الأشرار ومن ليسوا كذلك بناء على حاجات سياستها الخارجية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت الولايات المتحدة في عهد باراك أوباما قد رفعت كوبا من قائمة الإرهاب عندما حاولت إعادة العلاقات الدبلوماسية معها. ومع ذلك، بعد أن تولى دونالد ترامب الرئاسة، تراجعت إدارته عن القرار وأعادت كوبا إلى القائمة الأميركية لما تسمى “الدول الراعية للإرهاب”. وتوضح مثل هذه الخطوة من جانب إدارة ترامب، عملية صنع القرار غير العقلانية التي حددت المسار الأميركي بشأن الإرهاب.
في هذا الصدد، أشار تعليق لصحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست” إلى أن “المعايير المزدوجة للولايات المتحدة بشأن الإرهاب تشير إلى عقلية غريبة بين السياسيين الأميركيين: قد يُطلق على العنف السياسي إرهاباً فقط إذا ارتكب من جانب الذين لا يحبونهم”.
وعلاوة على ذلك، تستخدم واشنطن مكافحة الإرهاب ذريعة سياسية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى من أجل مصالحها الجيوسياسية وهيمنتها على الصعيد العالمي.
أضف إلى أنه خلال العشرين عاماً الماضية، تصدرت الحروب والصراعات والهجمات وأرقام الضحايا في الشرق الأوسط عناوين الإعلام العالمي، وظهرت وتصاعدت تنظيمات إرهابية مثل “القاعدة” و”داعش” واحداً تلو الآخر.
ومن بين 26445 حالة وفاة على مستوى العالم بسبب «الإرهاب» في عام 2017، وقعت 95 في المئة منها في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، بينما كانت أقل من 2 في المئة فقط في أوروبا والأميركيتين وأوقيانوسيا مجتمعة، وفقاً لقاعدة بيانات الإرهاب العالمي، وهي قاعدة بيانات مفتوحة المصدر للحوادث الإرهابية في جميع أنحاء العالم من عام 1970 فصاعداً.
كما وجد مشروع «تكاليف الحرب» التابع لجامعة براون، إحدى الجامعات البحثية الأميركية الرائدة، أن عدد الأشخاص الذين قتلوا بشكل مباشر في أعمال العنف بعد أحداث 11 أيلول، في أفغانستان وباكستان والعراق وسورية واليمن وأماكن أخرى، يقدر بأكثر من 900 ألف شخص.
ووفقاً للبيانات التي جمعتها منظمة (أنقذوا الأطفال)، وهي منظمة إنسانية دولية مقرها لندن، فقد “قُتل وشُوه ما يقرب من 33 ألف طفل في أفغانستان وسط الحرب التي استمرت 20 عاماً، أو بمعدل طفل واحد كل خمس ساعات”.
الآن، لا يزال تنظيم “القاعدة” ينشط في العديد من الدول مثل أفغانستان والعراق واليمن ويشن هجمات بين الحين والآخر. أما “داعش”، فلا يزال يشكل تهديداً في العراق وسورية عبر “الخلايا النائمة” رغم تعرضه لهزائم متتالية في البلدين. وعبر المنظمات الموالية له، توسع نفوذه حتى خارج الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا وإفريقيا وعمل على إنشاء شبكة إرهابية دولية.
وتعليقاً على الحرب الأميركية على الإرهاب، قال ما شياو لين، البروفيسور بجامعة تشجيانغ الصينية للدراسات الدولية ومدير معهد دراسات حوض البحر الأبيض المتوسط، إن “الحرب حققت إنجازاً جيداً في تقليل الهجمات الإرهابية على الأراضي الأميركية، لكن الأمر مختلف على المستوى الدولي، حيث خلقت حرب العراق وحرب أفغانستان اضطرابات وفوضى هائلة غذت الإرهاب، ما أدى إلى ظهور منظمات إرهابية مثل داعش”.
وذكر ما شياو لين أن “حرب مكافحة الإرهاب لم تتمكن من اجتثاث جذور الإرهاب، ولا يزال تنظيماً القاعدة وداعش متواجدين بقوة في غربي آسيا وشمالي إفريقيا، رغم تراجع تهديد الإرهاب باستمرار من ذروته في عام 2014”.
من جانبه، وصف دينغ لونغ، الأستاذ بمعهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، الحرب الأميركية على الإرهاب بأنها “فاشلة”، قائلاً إن “نتائج الحرب ليست جيدة بشكل عام ولم تتخلص من تهديد الإرهاب الذي لا يزال يتوسع في الشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا”.
وأرجع دينغ الفشل الأميركي إلى ثلاثة أسباب: “أولاً، انحرفت الولايات المتحدة عن النية الأصلية لمكافحة الإرهاب، وحولت هدف الحربين في أفغانستان والعراق من مكافحة الإرهاب إلى إجراء التحول الديمقراطي، مما خلق اضطرابات غذت الإرهاب. ثانياً، أدمنت الولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية وأهملت استخدام القوى الناعمة في القضاء على التربة المغذية للإرهاب. ثالثاً، قامت أميركا بتسييس مكافحة الإرهاب واتخذت معايير مزدوجة لتشويه الآخرين، مما قوض التعاون الدولي في هذا المجال”.
وأمام أنظار العالم، شنّ “داعش” هجوماً مروعاً على مطار كابول، ليجلب نهاية مخزية لعقدين من الحرب الأميركية على الإرهاب في أفغانستان، وليظهر قوته وقدرته على تهديد أمن العالم.
حول ذلك، قال: “إن الفشل والانسحاب الأميركي في أفغانستان بتلك السرعة المذهلة قد يحفز بعض المنظمات الإرهابية، محذراً من احتمال تصاعد الإرهاب مرة أخرى، خاصة على خلفية التراجع الاستراتيجي الأميركي في الشرق الأوسط”.
وفي المستقبل، سيواجه العالم وضعاً معقداً وصعباً في مكافحة الإرهاب، بحسب قوله.
وفي هذا الصدد، دعا نيو شين تشون، مدير معهد الشرق الأوسط بالأكاديمية الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة، المجتمع الدولي إلى “التعاون بشكل خاص في تحسين قدرات الحوكمة في أفغانستان وسورية والعراق وغيرها من الدول المتضررة من الإرهاب، إذ أن استقرار هذه الدول مهم للغاية لتجنب تصاعد الإرهاب مرة أخرى”.
وأكد على “أهمية معالجة كل من الأعراض والأسباب الجذرية للإرهاب”، داعياً المجتمع الدولي إلى “التعاون في مساعدة دول الشرق الأوسط في اختيار طرق التنمية المناسبة لها وخفض التناقضات الاجتماعية إلى أدنى مستوى، لإزالة التربة الخصبة للإرهاب”. كما دعا إلى “تحقيق التعايش السلمي بين الأمم المختلفة في المنطقة لتجنب الصراعات بينها”.
من جانبه، دعا دينغ لونغ المجتمع الدولي إلى “التركيز على حل الأسباب الجذرية للإرهاب ومساعدة الدول التي مزقتها الحرب لتحقيق الاستقرار وإزالة التربة الخصبة للإرهاب، فضلاً عن دفع التعاون في التشارك الاستخباراتي والتبادل الفني”.
وقال دينغ “إن الإرهاب عدو مشترك للبشرية وتحد دولي يهدد الأمن العالمي، ولا يمكن لأية دولة أن تكافح الإرهاب بمفردها”، داعياً المجتمع الدولي إلى “التخلي عن الانحياز والمعايير الدولية المزدوجة في مكافحة الإرهاب”.
في المحصلة، لا يمكن للعالم قهر الإرهابيين إذا استمرت الولايات المتحدة في لعب السياسة بأرواح البشر، فقد كشفت الكارثة في أفغانستان مجدداً حقيقة أن الوقت قد حان لتتخلى واشنطن عن معاييرها المزدوجة التي لم تلحق الضرر بمصداقية أميركا كقوة عالمية مسؤولة فحسب، بل أدت أيضاً إلى تآكل أسس التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب. لذلك، ينبغي أن تتعاون الدول في جميع أنحاء العالم للتغلب على هذا العدو المشترك للبشرية.