تحديات أمام رئيس الحكومة ووزراء النقل والطاقة والمال
ناصر قنديل
– من المصادفات السعيدة التي مكّنت الرئيس نجيب ميقاتي من إنهاء التعثر وإخراج حكومته إلى الضوء، الانكفاء الأميركي عن اعتماد سياسة الدفع بلبنان إلى الهاوية واعتبار معركة إسقاطه مكوناً عضوياً في معركتها على المقاومة، بعدما أدّت سفن الحرية التي كسرت الحصار الأميركي البري على لبنان بقوة قانون قيصر للعقوبات على سورية، بنقل معادلة الردع إلى البحار، إلى ارتضاء استبدال خيار التفكيك الاقتصادي لوحدة الكيانات التي فككها سايكس بيكو سياسياً، بالعودة للتشبيك الاقتصادي الذي تفرضه الجغرافيا، من بوابة الإفراج عن خيار استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سورية، لكن ذلك لا يعني أن النهوض بلبنان صار سياسة أميركية أو غربية أو خليجية، فالحد الأدنى الذي يمكن قوله هو إن التراجع الذي يصيب سياسات المنع، يفتح الطريق أمام مبادرات لبنانية نوعية إذا توافرت روح المبادرة لدى الحكومة الجديدة، من دون الاكتفاء بالوصفة التقليدية المحدودة الفعالية للجوء إلى صندوق النقد الدولي، حتى لو لم تصاحبها شروط ظالمة، بل امتلاك خطة الإفادة منها من ضمن سلة مبادرات الحكومة.
– تستطيع الحكومة أن تمتلك خطة نهوض اقتصادي مالي، تنطلق من مقاربة الأزمة المالية من جهة وإعادة الترسمل من جهة مقابلة، بما ينسجم مع معادلة لتوزيع أكلاف الخطة مع تناسب توزع المسؤوليات عن الانهيار من جهة، ويحفظ شروط النهوض من جهة موازية، وهنا يمكن للحكومة أن تبلور خطة لصندوق للنهوض يتيح برمجة وجدولة الديون وإعادة الودائع ونهوض وهيكلة القطاع المصرفي بشروط جديدة، فصندوق للنهوض من 60 مليار دولار ممكن أن يحقق هذا الهدف، وهو صندوق يمكن تكوين تمويله من مساهمة مكررة بعشرة مليارات دولار يتحمل تأمينها ستة أطراف، هي كل من مصرف لبنان بحسم هذا المبلغ من ديونه على الدولة، والمصارف بالتخلي عن هذه القيمة من سندات الخزينة لدى الدولة اللبنانية، وأصحاب الودائع بـ10 في المئة من الاحتياط الإلزامي تحسم بذات النسبة من الودائع، وما يعادل هذه القمية من خلال رهن الذهب أو تسييل بعضه، وطلب مساهمة بقيمة موازية من صندوق النقد الدولي ورقم مواز من الدول المانحة الغربية والعربية، تضع الحكومة ثقلها لتجميعها.
– في خطة النهوض الاقتصادي على الحكومة أن تضع في أولويتها حسماً سريعاً للمفاوضات على ترسيم الحدود البحرية لا يفرط بالحقوق، ووضع معيار لصدقية الموقف الأميركي بمساعدة لبنان من خلال الضغط لصيغة تنهي هذا الملف من دون تنازلات سيادية، وتفتح باب استخراج ثروات النفط والغاز، ويتبع هذه الأولوية ويتصل بها رد الاعتبار لقطاع تكرير النفط والمصافي من جهة، ومحطات التغويز من جهة مقابلة، ولا يقل أهمية عن هاتين الوجهتين فهم أن التشبيك مع الجوار عبر سورية لا يقتصر على استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية، فالحلقة الأهم فيه هو تشغيل وتفعيل وتطوير خط جر النفط العراقي إلى طرابلس وتطوير المصفاة، والخط بأهميته غني عن البيان بحجم الثورة التي يحدثها في قطاعات الكهرباء والطاقة بالنسبة للبنان عدا تأثيراته في سوق الصرف وتخفيف الطلب على الدولار المخصص لاستيراد المشتقات النفطية، وموقعه بالنسبة للعراق وسورية، ومثله التعاون السريع والفوري مع سورية باستثمار الصدمة الإيجابية لولادة الحكومة لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته في تمويل ورعاية عودة النازحين كثمرة لتعاون صادق للحكومة الجديدة مع الحكومة السورية.
– من أولى الأولويات أمام الحكومة إنقاذ قرض البنك الدولي المخصص للنقل العام، والذي ارتكب بحقه خطأ كبيراً يعادل الخطيئة حكومياً ونيابياً، بالسعي لنقله إلى مصادر تمويل البطاقة التمويلية، ولا توجد حكومة في العالم في ظروف بحبوحة، فكيف في ظروف ضائقة، تقايض استثمار إنتاجي في مجال النقل العام بإنفاق استهلاكي سيتبدد بعد شهور، والقرض يمنح الفرصة لشراء آلاف الباصات ويتيح إنشاء أسطول للنقل العام، تتحمل الدولة تأمين المحروقات والتوظيف اللازم بشرياً لتشغيله، ويشكل أهم شبكات الأمان الاجتماعي مع رفع الدعم عن المحروقات.
– يجدر لفت الانتباه إلى أن الحاجة لبطاقة التزود بالبنزين التي أهملتها الحكومة السابقة بغير وجه حق، فكان الدعم الفوضوي المفتوح لكل مستوردات البنزين سبباً لزيادة الاستيراد بنية التهريب، مصدراً لاستنزاف العملات الصعبة، ستبقى حاجة حتى بعد رفع الدعم، لأن سعر كلفة الاستيراد بالدولار ستبقى أقل من سعر المبيع في السوق غير المدعوم في سورية بمعدل النصف، ما سيعني أن الشركات المستوردة ستبقى تستورد ضعف حاجة لبنان وتبيع لسوق التهريب إلى سورية، وإذا بقي مصرف لبنان يوفر الدولارات سيخسر دولاراته بسرعة، وإذا توقف عن ذلك سيرتفع سعر الصرف بسرعة، ولا حل لذلك إلا بربط الحصول على البنزين بسعر الكلفة ببطاقة تتيح لكل سيارة الحصول على كمية شهرية من البنزين وتسعير السوق الموازية من دون البطاقة بسعر يعادل سعر البيع من دون بطاقة في سورية، وهذا سيوفر دخلاً للمالية العامة ليس بالقليل يمكن أن يغطي نفقات تشغيل النقل العام المنشود، ويتيح عدم استيفاء ضرائب ورسوم على كميات البنزين المباعة عبر البطاقة.
– هذه نقاط أولية للنقاش، تتسم بالعملية والواقعية، ويمكن المباشرة بدراستها، ولذلك شرط واحد هو أن تمتاز هذه الحكومة ووزراؤها بالقراءة، وهو ما لم يكن قائماً في حال العديد من وزراء الحكومة السابقة.