الأسد في روسيا: التوقيت والنتائج…
} د. حسن مرهج
دائماً ما تحمل القمم بين الكبار، نتائج وسيناريوات لا تتوضح معالمها، إلا بعد فترة وجيزة، ولا يمكن في المقابل، استقراء أبعاد هذه القمم، إلا في حدود التطورات التي تشهدها المنطقة عموماً، وسورية على وجه الخصوص، وبالتالي، فإنّ قمة الرئيسين السوري بشار الأسد والروسي فلاديمير بوتين، تأتي في أطر متعددة بلا ريب، لكن هذه القمة لها استثنائية خاصة، إذ جاءت بعد حدثين أحدهما سياسي والآخر عسكري.
في السياسة، يلاحَظ أنّ هذه القمة جاءت بعد فوز الرئيس الأسد بالانتخابات الرئاسية في سورية لولاية جديدة، الأمر الذي يعطي إشارات بالغة الأهمية، فحين يستقبل الرئيس الروسي نظيره السوري في الكرملين، فهذا له دلالة هامة، حيث يوجّه بوتين رسالة واضحة لقادة العالم مفادها أنّ عليهم التعامل مع هذا الرئيس المنتخب ديمقراطياً، وبغالبية كبيرة جدياً، كما أنّ الأسد باتت بين يديه جُملة من أوراق القوة، والتي لا تهمّ روسيا فحسب، بل غالبية دول العالم، خاصة أنّ الأسد تمكن في إطار استراتيجية مُعقدة، من تأطير موجات الإرهابيين التي وصلت إلى سورية، والقضاء عليهم، مع جزئية القبض على قيادات الإرهابيين، الأمر الذي تنظر إليه الدول الإقليمية والدولية، على أنه حماية لهم، وبالتالي لا بدّ من التنسيق مع الأسد، سواء فوق الطاولة أو تحتها.
في جانب آخر، فإنّ هذه الزيارة ارتبطت بحدث سياسي هو الأول من نوعه بعد ما يُقارب العقد، فقد استقبلت دمشق قبل أيام وفداً لبنانياً، بغية إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان، لكن حصراً عبر الأراضي السورية، وهذا التطوّر ما كان ليتمّ، لولا انتصار الأسد، والاعتراف الأميركي الضمني بهذا الانتصار، وعليه، فإنّ زيارة الأسد إلى موسكو، تأتي في إطار تعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وزيادة في التنسيق لجهة العمل في إطار ما تلا زيارة الوفد اللبناني إلى دمشق.
ضمن ما سبق، بات واضحاً أن التطورات السياسية الأخيرة، والتي ستؤدي حُكماً إلى تعميق الدور السوري في الإقليم، إنما تنطلق من مُحددات برعت دمشق في هندستها، رغم الحرب التي شُنّت عليها، لكن رغم ذلك، تدرك غالبية الدول الإقليمية والدولية، أن لا وصول لأيّ نتائج تتعلق بالسياسات أو رسم المسارات الاستراتيجية، إلا بعد التنسيق مع دمشق، بغية ضبط معالم المنطقة ومستجداتها.
في الإطار العسكري، جاءت زيارة الأسد إلى موسكو، بعد انتصار درعا الذي أربك القوى الإقليمية والدولية، فالوضع المعقد الذي يشهده الجنوب السوري، لجهة حجم التدخلات في تلك المنطقة الحيوية، تمكن الأسد وعبر استراتيجية النفس الطويل، من تطويع داعمي الإرهابيين في الجنوب السوري، وإجبارهم على التخلي عن أدواتهم الإرهابية أولاً، وعن مشروعهم في سورية ثانياً، في هذا الإطار، يُمكن القول بأنّ زيارة الأسد إلى موسكو، هي تتويج واعتراف دولي مبطن بانتصار الأسد، فالأخير كان بمثابة عامل التوازن الاستراتيجي، بالنسبة لموسكو، وعبره عادت موسكو القوة الموازية للقطب الأميركي.
في المقابل، فإنّ زيارة الأسد موسكو ولقاءه بوتين، تأتي أيضاً لضبط مرحلة ما بعد درعا، بمعنى، هذه الزيارة هي نتيجة طبيعية ومنطقية للتباحث في شأن إدلب وشرق الفرات، وقد لا يُمكن استقراء ما تباحث به الرجلان حيال ملفي إدلب وشرق الفرات، لكن ما يُمكن التوصل إليه، بأنّ أبعاد هذه الزيارة، هي حُكماً لغايات استراتيجية بعيدة المدى، ومن المؤكد أنّ مشهد شمال شرق سورية، سيكون على موعد مع تطورات غاية في الأهمية، خلال الآتي من الأيام.
في الجانب الاقتصادي السوري والذي لا يقلّ أهمية عن الجوانب السياسية والعسكرية، فإنّ الأسد ومن خلال هذه الزيارة، سيعمل على جذب أنظار القوى الإقليمية والدولية، والقول بأنّ سورية هي المكان المناسب للاستثمارات الاقتصادية، ويكفي بأنّ دمشق حافظت حتى الآن، على موقعها الرابط بين مختلف الطرق الاقتصادية، وتحديداً خطوط الطاقة، وبالتالي، لا بدّ من تعزيز الاقتصاد السوري، وبدعم روسي، والانتقال إلى مرحلة جديدة، عنوانها الاقتصاد السوري وضرورة تعزيزه.
في المحصلة، لا يُمكن لأحد أن ينكر دور الأسد في تعزيز الحضور الروسي في عموم المنطقة والعالم، وهذا له ثمن استراتيجي، لكن في العمق، فإنّ دمشق وبموقعها الحاكم لجُلّ توازنات المنطقة، فإنّ لهذا الأمر، معادلة قوة لا أحد يعلم أسرارها إلا دمشق، لتكون زيارة الأسد إلى موسكو، هي خطوة استراتيجية مُغايرة لكافة الوقائع والمعطيات، التي فُرضت على سورية خلال السنوات السابقة، وبالتالي، هناك المزيد من الانتصارات السياسية وكذا العسكرية والاقتصادية.