أولى

التداعيات الأفغانية… والابتزاز الديمقراطي

 سعادة مصطفى أرشيد*

إثر مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية سعودية في تركيا، ازدادت حدة الانتقادات السياسية في الولايات المتحدة لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وعلاقات إدارته الحميمة مع المملكة السعودية، فالصحافي الخاشقجي، كان له وجود مهمّ، ومقالات في كبريات الصحف الأميركية، ومعروف بتأييده للسياسات الأميركية وخاصة الديمقراطية منها وشارك في التنظير الأميركي ـ الغربي للربيع الزائف. بالطبع كان للطريقة الدموية التي قيل انه قتل بها وقطع إرباً، أمر من الصعب إن لم يكن من المستحيل الدفاع عنه.

لم تلق إدارة ترامب بالاً لهذه الانتقادات، وجاء الرد في أكثر من خطاب جماهيري للرئيس ترامب، في تلك الخطابات، لم يتطرق ترامب للجريمة، وإنما تعامل معها بإهمال، ولكنه شدد على أن السعوديين شركاء وزبائن أسخياء في الدفع، فلقد اشتروا من الولايات المتحدة بضائع بقيمة 450 مليار دولار، وزاد على ذلك إذ إنه ذكر متبجحاً أنه أجرى مكالمة هاتفية مع الملك سلمان خاطبه بها على النحو الذي ذكره لجمهوره في أكثر من خطاب: اسمع أيها الملك، نحن من يدافع عنكم، إنكم لن تستطيعوا البقاء لأكثر من أسبوعين من دون دعم الجيش الأميركي، أنت ربما لن تستطيع الاحتفاظ بطائرتك، أنت تملك أموالاً كثيرة، ولذلك عليك أن تدفع، وهكذا أخذت منهم بمكالمة هاتفية قصيرة 500 مليار دولار، وأكمل ترامب بأن الملك السعودي بدا مرتبكاً ومستهجناً هذا الأسلوب غير السياسي – الدبلوماسي، مؤكداً أنّ أحداً من الرؤساء الأميركيين لم يتحدث معهم في مثل هذا الأسلوب، فأجابه ترامب: لأنهم كانوا أغبياء. فهل الرئيس الأميركي الحالي وإدارته من الأغبياء بحسب وصف ترامب؟ أم أنهم يفوقون ترامب ذكاء ودهاء، لدرجة تجعلهم قادرين على استلاب ما هو أكثر ولكن بأسلوب مختلف؟

قبيل عشرينية أحداث برجي التجارة في نيويورك، في الحادي عشر من أيلول 2001، لم يكن الرئيس بايدن في وضع مريح، وذلك بسبب ما حدث في أفغانستان، والسرعة التي نفذت بها حركة طالبان وأحكمت سيطرتها على كامل البلاد وعلى العاصمة كابول، وبوقت قصير لم يحسب له الأميركان حساباً دقيقاً، إذ كانوا يأملون – أو متفقين مع طالبان على خروج مريح ومتمهّل، وحافظ لماء وجههم، وقد وصل الإرباك في البيت الأبيض لدرجه اضطرت بايدن لتأجيل مواعيد هامة كانت مقررة منذ وقت سابق، ومن هذه المواعيد، لقاؤه مع رئيس الوزراء (الإسرائيلي) نفتالي بينت، لقد كان للتداعيات الأفغانية، أثر شعبي في غير صالح إدارة بايدن مع اقتراب الانتخابات النصفية للمجالس التشريعية، وكذلك فقد مس الحدث الأفغاني من هيبة الولايات المتحدة عالمياً، مما خلق حاجة ملحة عند الإدارة الأميركية للتغطية عليها، وذلك بالإعلان عن ضرورة كشف ما جرى في الحادي عشر من أيلول، وحق المواطن الأميركي بمعرفة الحقيقة، والمتورّطين بها بناء على التحقيقات التي أجرتها مجموعة من المؤسسات الأميركية، وذلك من دون التغطية او التمويه على الأسماء المتورطة بهذا العمل ـ هكذا قالوا.

قبل نشر التقرير، كان العالم يعرف ومنذ سنوات طويلة، كيف ولماذا تأسست القاعدة، وعن تمويلها وتوظيفها واستخداماتها، فالأساس في صناعة هذا التنظيم، كان التحالف غير المتكافئ، بين الولايات المتحدة ممثلة لا في مخابراتها المركزية فحسب وإنما في كامل مؤسساتها السياسية والمالية والعسكرية، مع الدولة السعودية، بما فيها جهاز استخباراتها ورئيسه في حينه الأمير تركي الفيصل، ورجاله وأهمّهم عبد الله عزام وأسامة بن لادن، الذين استثمروا بالمال والفقه في صناعة أرواح مسمومة ونفوس مريضة، مسلحة بالنار والكراهية، رافضة للآخر، ذات أفق واحد ضيق، وذلك بهدف مصارعة الاتحاد السوفياتي، إثر دخوله أفغانستان عام 1979، مما أرهق السوفيات، وأذلهم وساهم لاحقاً في انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي ومن ثم حلف وارسو وسائر المنظومة الاشتراكية.

نشر التحقيقات وإعلانها سيكون من أهم التداعيات الأفغانية، فالنشر يفضح الدور السعودي، أفراداً وعرشاً ومؤسسات وقنصليات وسفارات، الذي استمر بالعلاقة مع هؤلاء لاعتبارات وهابية، ولكن من دون القدرة على السيطرة عليها، ستذكر التحقيقات ولا بد أسماء، من استمر بدعم وتمويل القاعدة ورعايتهم، ورعى المؤسسات الأصولية المتشددة التي تحمل أفكار التطرف والعنف، التي لم تتوقف السعودية عن تمويلها بعد انتهاء وظيفتها، امتدت في تأثيرها على المراكز الإسلامية والمساجد التي تمولها السعودية، دولة أو أمراء أو مؤسسات، هذه المؤسسات وتشعباتها قد استمرأت لعبة الحرب ووجدت بها مهنة وجهاداً مقدساً، وصل إرهابها إلى الحدّ الذي جرى في الحادي عشر من أيلول 2001.

لا بد من إنعاش الذاكرة قليلاً لفهم ما سيجرى في هذا الملف، وذلك في العودة إلى قضية الطائرة الأميركية التي سقطت على منازل قرية لوكيربي الاسكتلندية عام 1988، وقد كان على متنها 270 راكباً، اتهمت الولايات المتحدة في حينه النظام الليبي بإسقاط الطائرة وبأنّ عملاء تابعين له هم من وضعوا المواد المتفجرة بالطائرة، ومع أن القرائن التي دبجتها الإدارة الأميركية للقذافي وليبيا كانت ضعيفة، وغير مقنعة، إلا أنها قادت إلى حصار ليبيا، ثم إلى تدمير مشاريعها الصناعية والتسليحية والنووية، سواء أكانت جدية أم فقاعات دعائية، وفي إجبار النظام على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها بالغالب، وأدت إلى خسارة مئات المليارات، إن بسبب ما ألحقه الحصار من خسائر وإن بشكل رشا دفعها القذافي لوسطاء، وإن ما تم دفعه لذوي الضحايا، المائتين وسبعين، في النهاية، أصبح نظام القذافي بعد نزع أسلحته وإذلال قيادته، من الهشاشة والضعف بحث سقط بشكل مهين.

لما كان ذلك كذلك، وعند الإعلان عن هذه التحقيقات ونشرها، فإن قرابة ثلاثة آلاف من ذوي قتلى برجي التجارة، وأضعافهم من الجرحى والمصابين والمتضررين، سيتوجهون إلى القضاء الأميركي للشكوى على السعودية، ومن أجل الحصول على تعويضات سخية، وهي فرصة بايدن لابتزاز السعودية بما يفوق رقم نصف تريليون دولار التي تبجح بها الرئيس السابق دونالد ترامب، بايدن الديمقراطي الرقيق، سيبدو بمظهر المدافع عن حقوق المواطن الأميركي، وعن القتلى الأبرياء، والمتضررين، وعدواً للشرير المجرم، ثم أن هناك فرصة للحصول على مبالغ إضافية، عن طريق التدخل لشطب اسم وللتمويه على معلومة، من شأنها أن تطيح بكوفيات معتدة بنفسها، والزج بعباءات أنيقة بالسجون، سواء من العائلة السعودية المالكة، أو من كبار وصغار موظفيها، بهذا تصرف السعودية في زمن الرئيس الديمقراطي، كل ما في الجيب، ومعظم ما في الغيب، من أموال وعائدات كان يجب أن تكون من نصيب أجيال سعودية لم تولد بعد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى