أمي مقص الرقيب
غالباً ما كنت أشعر بالنّقص والخجل أمام زميلاتي في المدرسة حين يتهامسنَ بأسرار رغباتهن ونزواتهن وقصصهن الغراميّة مع الشبّان، حتى صرت أبتكر الحكايا وأنسج لهنّ من وحي أحلامي قصّة حب مع ابن الجيران، وأحيانا أستعير من تجارب أخوَي وشقاوتهما مع فتيات الحيّ سرداً مشوّقا بعد ان أرشّ عليه من ملح وبهارات مخيّلتي، حتى صرن يتلذّذن بالاستماع إليّ وأدركت حينها أنني ربّما أصلح لأن أكون روائيّة.
كان عالم أمّي بالنسبة إليّ غامضاً جدّاً، حيث تحرص على إبقائي بعيدة من خصوصيّاتها، ومن أسرارها الحميمة كامرأة. كانت تخاف دائماً خدش أفكاري او جرح المثاليّات التي تسعى إلى فرضها عليّ.
كنت دائما تحت مجهر أمومتها، تراقب ضحكتي التي من العيب جدّا أن تعلو نبرتُها، وإن حصل ذلك مني سهواً أجدها تلطم صوتها وتكبحه قائلةً:
«كم مرة قلتلك وطي صوت ضحكتك»
تراقب التفاتاتي، نظراتي، حتى أفكاري وتلاحقني بكلمة “عيب” عند أي سلوك عفوي. كنت أراقبها، انا ايضا، واتمنى لو أجد سهوةً واحدة في تصرّفاتها تقرّبها من شيطنتي ومشاعري الطائشة وتفسح لي الجرأة كي أسألها بِحُرّية ومن دون قيود. وحين توهمني إحدى عباراتها بالتحرر أنطلق بالسؤال، ومن ثمّ تصفعني بنظرة حادّة فأخرس.