إلى الانتخابات النيابية در… هل يفعلها الشعب ويحاسب؟
} علي بدر الدين
بعد ولادة الحكومة و”إنجاز” البيان الوزاري وإقراره في الجلسة الثانية لمجلس الوزراء، سيأخذ مساره الدستوري الطبيعي باتجاه مجلس النواب لمناقشته وتثبيت ثقته بالحكومة الممنوحة سلفاً، من معظم الكتل النيابية الممثلة فيها، مع استثناء ثقة تكتل “لبنان القوي” المشروطة، ولكنها على ما يبدو أنها ستمرّر ثقتها وتعلق شروطها.
كلّ المؤشرات والمعطيات الخفية والعلنية تؤكد، أن الحكومة عبرت بسلام وأمان، وثبتت وجودها وأعمدتها بعمليات التسليم والتسلم بين الوزراء القدامى والجدد، وأصبحت أمراً واقعاً لا يمكن تجاوزه، حتى لو أنها لا تزال عرضة للاستهداف والتصويب من قوى سياسية مختلفة، لها اعتباراتها وأسبابها ومصالحها الموضوعية والذاتية والسياسية والسلطوية الآتية، في أكثر من استحقاق انتخابي، نيابي ورئاسي وبلدي، وليس في الأمر ما يثير الدهشة والاستغراب، بل هذا طبيعي ومن حق الجميع الدخول في “بازار” الانتخابات لا سيما النيابية منها، ومن “الطبيعي” أيضاً أن يرتفع منسوب الخطاب السياسي الطائفي والمذهبي وقد اقترب موعد هذا الاستحقاق، الذي بدأ فعلاً يحتلً حيّزاً من مواقف الكثير من هذه القوى وحساباتها المستقبلية على مساحة واسعة من الأحداث والمستجدات السياسية والاقتصادية والمالية وتداعياتها الخطيرة التي فرضت نفسها بقوة، وتحوّلت إلى مادة دسمة للجدال والاتهامات والإساءات وتحميل المسؤوليات والاستهدافات، بدءاً من قبل تشكيل الحكومة وخلالها وبعدها، مروراً بانطلاق بواخر النفط الإيراني (مازوت وبنزين) ووصول المازوت أولاً إلى لبنان، فضلاً عن استدعاءات المحقق العدلي القاضي طارق بيطار في كارثة انفجار مرفأ بيروت، إلى الأزمات والمشكلات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والخدماتية المتفاقمة، التي ساهمت بإفقار اللبنانيين وتجويعهم وإذلالهم وإغراقهم في أسواق سوداء ظالمة وقاتلة ومكلفة جداً، ولا قدرة أو طاقة لهم على تحمّلها وتداعياتها التي رمت بثقلها وأعبائها عليهم، وانعكست سلباً على المعيشة والتعليم في كل مراحله، كما على الطبابة والاستشفاء وفقدان الأدوية من الصيدليات وغيرها.
إنّ سوق عكاظ المشهد السياسي العام والانتخابي تحديداً، فتح أبوابه على مصراعيها، أمام كافة القوى السياسية الموالية والمعارضة وإنْ كانت مغلفة بعناوين طائفية ومذهبية وزعائمية مجرّبة ومنتجة تفتح الشهية على تسلق سلم مجد السلطة، وابتلاع مواقعها ومغانمها ومكاسبها ونفوذها، إما تجديداً لمن جرّبها وذاق طعمها واستمتع بنكهتها وراكم من ثرواتها، أو للذين يبحثون عن موطئ قدم لهم في “جنة” السلطة الموعودة أو جهنمها.
حمل تأليف الحكومة الثقيل، أزاح عن صدور الطبقة السياسية الحاكمة، ونزل عن أكتفاهم و”أدوا قسطهم للعلى”، وعلى رئيسها ووزرائها أن “يدبّروا راسهم” والتفرّغ للعمل الحكومي وتنفيذ البيان الوزاري، وما هو مطلوب منهم خلال الأشهر القليلة التي تسبق الانتخابات النيابية، أقله في وقف الانهيارات المتتالية المتدحرجة على كلّ المستويات، والتقليل من تداعيات انهيار العملة الوطنية، وتقويض أسس الغلاء الفاحش والجنوني، وتأمين ولو الحدّ الأدنى من الخدمات والضرورات للمواطن كالكهرباء والماء والدواء والغذاء والمحروقات، لأن باعتراف قوى السلطة في السر أو في العلن، أن لا قدرة ولا وقت ولا إمكانيات لدى هذه الحكومة التي ولدت من رحم من كان السبب في ما آلت إليه الأوضاع في لبنان من سوء وتردّ وكارثية ومعاناة. يعني أنها لا تستطيع محاربة الفساد والمحاصصة، ولا هي قادرة على قيادة سفينة الإصلاح والتغيير والمحاسبة، ولا استرجاع الأموال المنهوبة والمهرّبة، ولا إعادة أموال المودعين في المصارف.
بات واضحاً، أنّ الحكومة تراهن وتنتظر المجتمع الدولي ومنظماته الرسمية والنقدية (صندوق النقد الدولي) وبعض الدول الصديقة، لمدّ لبنان بالمال عبر القروض والمساعدات والهبات المشروطة بمعظمها، بإجراء إصلاحات متعذرة في هذه المرحلة.
بما انّ الحكومة تشكلت، وباتت تملك مفتاح مسؤولياتها، وثقة مجلس النواب وأصحاب القرار الإقليمي والدولي في ولادتها، فإن لا خوف عليها، إنما الخوف على الشعب منها، إذا ما تخلت عنه، وأخلّت بواجباتها تجاهه. وحان وقت تغيير البوصلة والاتجاه إلى الانتخابات النيابية، التي تحتاج إلى التحضير والتحالفات والأموال، وتعبئة البيئات الحاضنة واستنهاضها، وإعادة “تزييت” المفاتيح الانتخابية التي تآكلها الصدأ، وتجهيز المحادل والبوسطات، لأنّ ظروف “المعارك “الانتخابية، وقواعدها تغيّرت بعض الشيء، على ضوء ما حصل في لبنان على مدى السنوات الأربع الماضية من أحداث وتطورات وانفجارات وضحايا بالمئات وانهيارات وإفلاسات وبطالة وفقر وجوع وغلاء وأمراض، كلها برسم الطبقة السياسية والمالية والسلطوية الحاكمة، التي عليها وحدها أن تحاسب وتدفع الثمن في صناديق الاقتراع، إذا ما أحسن الشعب الخيارات والإختيارات، وقرّر المحاسبة وليّ أذرع هذه الطبقة وربما كسرها، حتى لا تقدر على مدّها على حقوقه الكاملة في كل مكان وزمان.
هل يفعلها الشعب، أو تنطبق عليه مقولة “على من تقرأ مزاميرك يا داود”.