بعد التضحية بأفغانستان… أميركا تلفظ أوروبا تأهّباً لمقارعة التنين الصيني
محمد صادق الحسيني
بينما كان الاتحاد الأوروبي يناقش استراتيجيته الجديدة، في المحيطين الهندي والهادئ، كما أعلن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد جوزيب بوريل، قام الرئيس الأميركي بالإعلان المفاحئ عن إقامة حلف آوكوس AUKUS بين بلاده وبريطانيا وأستراليا من دون إعلام الاتحاد الأوروبي بأي شيءٍ.
وأكد بوريل للصحافيين بأنهم علموا بذلك (من وسائل الإعلام) لكنهم لم يستشاروا أبداً. كما أعرب عن أسفه أن لا يكون الاتحاد الأوروبي جزءاً من هذا التحالف.
صحيح أن أزمات الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، هي أزمات بنيوية تتعلق بالنظام الرأسمالي، المحكوم عليه بالزوال، لأسباب موضوعية ليس لها مكان في هذا المقام، ولكن الأزمة الحالية التي تعصف بالعلاقات الأوروبية الأميركية، بشكل عام وتلك الفرنسية الأميركية بشكل خاص، تأتي في هذا الظرف الدولي الحالي، في ظل موازين القوى الدولية، التي تختل بشكل واضح ومتسارع لصالح القوى المعادية للامبريالية والهيمنة الأميركية الأوروبية، على مقدرات شعوب العالم، بالتالي فهي تشكُل تعبيراً جلياً على أن الصراعات الحادة والتناقضات المتزايدة بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، سببها التناقض الموضوعي لمصالح الطرفين، الاقتصادية والسياسية والعسكرية، على صعيد العالم.
وهذا يعني أن الصراع الدولي يزداد تصعيداً ويشي بتغيرات محتملة في التحالفات الدولية، لنقل الاصطفافات الدولية القائمة حالياً في العالم من جهة لجهة أخرى.
ونقول اصطفافات لأن الولايات المتحدة لا تتعامل مع أية دولة في العالم، بما في ذلك أعضاء حلف شمال الأطلسي وكبريات هذه الدول، مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا واليابان على أنها دول مستقلة، وإنما هي تتعامل معها كدول محتلة (منذ نهاية الحرب العالميه الثانية، كدول تابعة لواشنطن) وهي بالتالي لا ترقى إلى مستوى الحليف.
من هنا فإن واشنطن، وانطلاقاً من هذه القاعدة، تتعامل مع تلك الدول، إضافة إلى أذناب الولايات المتحدة الأميركية في “الشرق الأوسط”، بما فيها “إسرائيل”، على أنها أدوات لخدمة المصالح الأميركية، يجب أن تعمل طبقاً للأوامر التي يتلقونها من سيد البيت الأبيض لا أكثر.
أما مناسبة المقدمة هذه، فهي موجة الغضب الهستيري التي ظهرت على لسان وزير الخارجية الفرنسي، جان إيڤ لودريان، والهجوم الحاد الذي شنه، خلال مؤتمر صحافي عقده يوم 16/9/2021، على الرئيس الأميركي جو بايدن وقوله عنه إن تصرفاته المفاجئة لا تختلف عن تصرفات سلفه، دونالد ترامب. وذلك في تعقيبات له على قيام أستراليا (جزء من التاج البريطاني وليست دولة كاملة الاستقلال كما كندا ونيوزيلاندا) بإلغاء صفقة الغواصات مع بلاده.
فما هي هذه الصفقة وما هو سبب حالة الهستيريا، التي يعيشها رأس الديبلوماسية الفرنسية هذه الأيام، وماذا يمكن لها أن تفرز من تداعيات؟
بدأت القضية بقيام لودريان نفسه، عندما كان وزيراً للدفاع في فرنسا عام 2016، كسمسار لشركات الصناعات العسكرية الفرنسية، حيث نجح، آنذاك، بإقناع رئيس وزراء أستراليا في حينه، مالكولم تيرنبول، بشراء 12 غواصة فرنسية، تعمل بالوقود التقليدي (الديزل) تقوم بصناعتها شركة “دي سي أن أس” الفرنسية للتعاقدات البحرية.
وقد اختارت الحكومة الأسترالية، في شهر نيسان عام 1916، هذه الشركة الفرنسية ووقعت معها عقوداً رسمية، للبدء في تصنيع الغواصات، حيث قام رئيس الوزراء الأسترالي لاحقاً بزيارة لمقر هذه الشركة الفرنسية، في ميناء شيربورغ الفرنسي، وافتتح مشروع صناعة الغواصات الاثنتي عشر، التي كان يفترض أن تنتهي الشركة من تسليمها، لأسطول شبه الدولية في أستراليا، عام 2030.
علماً أن القيمة الإجمالية لهذه الصفقة كانت تساوي 90 مليار دولار أسترالي، أي ما قيمته 56 مليار دولار أميركي، وهي بذلك من الصفقات العملاقة التي تعقد بين الدول، والتي لها تأثيرات مباشرة في الاقتصاد الفرنسي، سواءً من جهة تشغيل اليد العاملة أو من جهة قيمة الضرائب التي تحصل عليها الدولة الفرنسية، في صورة ضرائب دخل للعاملين في شركة التصنيع وشركات الدعم التي تمدها بالمواد نصف المصنعة أو غيرها من شركات التصميم والتزويد والإمداد.
كما أن لمثل هكذا صفقة كبيرة تأثيراً جديداً في السمعة الدولية للصناعات العسكرية الفرنسية، التي يعمل السياسيون الفرنسيون بشكل متواصل لتسويق منتجاتها. وعليه فإن ما حدث يعد ضربةً اقتصاديةً وماليةً وسياسيةً كبرى وجهتها. واشنطن لباريس.
يعزو المراقبون السبب وراء الهيجان، الذي يعاني منه وزير الخارجية الفرنسي، لودريان، والذي أدى به للإدلاء بهذه التصريحات النارية، ضد الرئيس الأميركي بايدن وضد الولايات المتحدة وأستراليا نفسها إلى قيام الرئيس الأميركي، يوم 15/9/2021، بعقد مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، تناقلت وقائعه جميع وكالات الأنباء العالمية، ومن بينها وكالة الأنباء الفرنسية.
حيث أعلن الرئيس الأميركي، خلال المؤتمر الصحافي، عن قيام تحالف أمني واسع النطاق، بين بلاده وبريطانيا وأستراليا، تحصل أستراليا بموجبه على 12 غواصة حديثة تعمل بالوقود النووي (مقابل الغواصات الفرنسية التي كانت ستتسلمها من فرنسا تعمل بوقود الديزل التقليدي)، لمواجهة العداء المتزايد تجاه الصين، بحسب تعبير وكالة الأنباء الفرنسية.
وقد كانت النتيجة الأولى لهذا الإعلان هو فسخ أستراليا لعقد شراء الغواصات الفرنسية، الأمر الذي دفع وزير الخارجية الفرنسي ووزيرة الجيوش الفرنسية بإطلاق تلك التصريحات غير المعهودة تجاه واشنطن ورئيسها.
إذ قال وزير الخارجية الفرنسية إنّ هذا القرار، الذي أعلن عنه بايدن، يُعتبر طعنة في الظهر (لفرنسا) وأن بايدن اتخذ قراراً مفاجئاً كما كان يفعل ترامب (و. ص. ف.)، بينما قالت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، أن فسخ العقد (من قبل أستراليا) أمر خطير من الناحية الجيوسياسية وعلى صعيد السياسة الدولية (إشارة الى إمكانية تغيّر التحالفات او الاصطفافات الدولية الحاليّة – توجه دول أوروبية باتجاه الصين وروسيا). يضاف إلى ذلك ما قالته وزيرة الجيوش الفرنسية، عن احتمال مطالبة فرنسا بتعويضات عن فسخ عقود رسمية، في الوقت الذي لم تفصح فيه ما إذا كانت المقصودة هي الحكومة الأسترالية فقط وإنما بريطانيا والولايات المتحدة أيضاً، وهما اللتان تسببتا في فسخ تلك العقود، بعد إعلان الرئيس الأميركي، عن تشكيل التحالف الدولي الجديد، بين الولايات المتحدة وبريطانيا و”شبه الدولة الأسترالية”، والذي أطلق عليه اسم “آوكوس / AUKUS /، وهو اختصار ودمج لأسماء أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية باللغة الإنكليزية …. Australia / United Kingdom / USA ….، والهادف إلى مواجهة الصين في آسيا والمحيط الهادئ، كما أعلن الرئيس بايدن نفسه، بحسب ما أوردته هيئة الإذاعة البريطانية.
وفي خطوة، من قبل الرئيس الأميركي، اعتبرها المحللون الاستراتيجيون محاولة من قبله لمراضاة فرنسا، قال الرئيس بايدن: “نتطلع للعمل بشكل وثيق مع فرنسا وشركاء رئيسيين آخرين في هذه المنطقه الاستراتيجية… وأضاف أن باريس شريك وحليف أساسي” (لواشنطن)، بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
ومن نافل القول أيضاً إن العديد من المسؤولين الصينيين قد اعلنوا إدانتهم لهذا الحلف الأمني العسكري الجديد، الذي يعكس استمرار تحكم عقلية الحرب الباردة بسياسات الولايات المتحدة وبريطانيا (التي لم تعد عظمى)، وتؤجج الصراع في بحار الصين والبحار والمحيطات القريبة من الصين وروسيا معاً وتزيد سباق التسلح بشكل كبير جداً، كما صرح الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، شاو لي جيان، الذي قال: “إنّ هذا (الحلف) يقوّض بشكل جدي السلام والاستقرار الاقليميين (يعني في منطقة بحار الصين وآسيا) ويزيد من حدة سباق التسلح”.
إذن فها هي الولايات المتحدة الأميركية تتعامل مع الدولة النووية العظمى، فرنسا، والعضو في حلف شمال الأطلسي منذ تأسيسه، تتعامل معها وكأنها أقلّ من جمهورية موز. لا بل على أنها ليست موجودة، إذ يقوم الرئيس الأميركي بإعلان تحالف أمني عسكري، بين بلاده ودولتين أطلسيتين أخريين، من دون أن يقوم حتى بإعلام الحكومة الفرنسية أو الرئيس الفرنسي بذلك…!
وهنا يجب أن يطرح السؤال الجدي على إمارات نفط الجزيرة العربية، من صغيرهم إلى كبيرهم، كيف سيتعامل معكم الرئيس الأميركي في كل شؤون المنطقة؟ وكيف سيتعامل مع آمر الحاجز الطيار “الإسرائيلي” في فلسطين المحتلة وغيره في المنطقة؟ هل تعتقدون أنه سيعاملكم معاملة أفضل من معاملته لفرنسا، الدولة النووية؟ وهل ما زلتم تعتقدون أن الحاجز الإسرائيلي الطيار في فلسطين المحتلة قادر على حمايتكم، بعد رفع الغطاء الأميركي عنكم جميعاً، بمن فيكم عناصر الحاجز الطيار؟
إن الجهة الوحيدة القادرة على حمايتكم، هي عودتكم إلى رشدكم والتخلي عن عباءات المحتلين الصهاينة والإميركان وغيرهم، وفتح آفاق التعاون الواسعة، مع دول ومنظمات حلف المقاومة المنتصر، الذي ها هو يرغم سادة البيت الأبيض على كسر الحصار الاقتصادي والمالي على كل من إيران وسورية ولبنان، وجعل ما يطلق عليه قانون قيصر الأميركي لخنق سورية، فعلَ ماضٍ ناقص…!
استخلصوا العبر قبل أن تستخلص شعوبكم حقوقها منكم بطريقة مختلفة جداً هذه المرة وتخلصوا من هذا السيد المنافق إلى الأبد وافتحوا آفاق التعاون الإقليمي مع جيرانكم من الدول الشقيقة ومع بقية دول الجوار العربي ودول العالم المختلفة، سعياً وراء التطور والتنمية وتأمين الحياة الكريمة والمستقبل الزاهر لشعوب عربية عانت من التبعية للأجنبي منذ أكثر من مئة عام منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وتقسيم العالم العربي إلى إمارات وكيانات ضعيفة ممزقة.
بعدنا طيبين قولوا الله…