الأَنَوِيّةُ النقديّة بين تهافُتِ المفاهيمِ وانحسارِ الفهم
} رضوان هلال فلاحة
الفهم أول مراتب النقد لجهة الإدراك حسيّاً ومعرفيّاً، بالتلازمِ العضويِّ بين الحسيِّ والمعرفيِّ، لكون الحواس المُفعِّلُ للمُجمَلِ اللغويّ الإشاريّ المُشكّل للبُنيةِ اللغويّة بقصديّتها التعبيريّة التواصليّة البكر، ومن ثمّ صيرورتها اللغويّة كائناً إبداعيّاً.
وإنّ المراتبيّة النقديّة بفرض التباين بالمُكوّن الحسّيّ بيئويّاً، بمردّاته السايكولوجيّة، يقتضي بالضرورة تلك التجاذبات على مستوى الذات بين الحسّيّ والمعرفيّ، وتناميها المؤسّس للتباين في المُتخلّق الإبداعيّ بمشروطيّة صيروراته النشطة تأملاً، والمتساوقة مع الأنساق العلائميّة للّغة المحمولة على تنامٍ ثقافيّ ضمن حقولها المعرفيّة، التي يمارس عليها الإبداع انزياحاته الدلاليّة المفتوحة على عتبات المُتخيَّل وانبجاساته الشعوريّة المرتحلة من البداءةِ إلى النُهية..
فالكتابة ليس عليها أن تتحايل على بِدائيّتها المعرفيّة، وهو السؤال المفعِّل لغريزتها الإبداعيّة.
والناقد في سبره المعارفيّ، عليه العمل على إنضاج ذاته خارج إجاباته الدرسيّة، كي لا يقع على الالتباس الذي يُغريه بممارسةِ التفوّق المُمسِك على الفكرة خارج مفاعيلها الإشاريّة وإيقاعاتها الحسّيّة والشعوريّة وطبقاتها الثقافية على مساحات أطوارها الثلاثة؛ الطفولة، والمراهقة والنضوج، المنجِزة للنص، فلا يغيب عنه إعادة قراءته لذاته في سياق أسئلتها، لا في سياق إجاباته، فثمّة حضور لجدل الأنا مع الآخر في هنيهات التَّمَرئي بالآخر قراءةً تُحيلُه إلى حقيقةٍ ما، يُعيد من خلالها تنضيد تصوّراته الذهنيّة، أكانت مجرّدة أم حسّيّة، وفق التصوّر الذهنيّ لعوالم النصّ غير المُنقطعةِ عن منافذ وعي الكاتب ووعي الناقد بالضرورة، والمنفصلة عن الأول بزمانها الخياليّ الانفعاليّ، والمتّصلة بالثاني بمدى صدقيّة التلقّي المُحرِّضِ للحدس النقديّ بمعادلٍ موضوعيّ ثَبْتٍ من اضطلاعاته الفكريّة والثقافيّة لا يُصار إليها بقولبةِ العَصيِّ على الإدراكِ بجوانبه المتعددة «كالتطرف الثقافيّ» على الحقول المعجمية لدرسه النقديّ أو الثقافيّ.. وهي العامل الأبرز لعبثيّة المصطلح خارج سيرورة المفهوميّة المنتجة للأفكار وتداخلاتها ومشاكلاتها الأبستمولوجية، أدبياً، بعلائقيّتها التثاقفيّة ذهنياً.
إنّ ثقافة الاختلاف وعي لجدليّة الفهم والتفهّم.. فالإيقاع سردياً وشعرياً أوثقافياً «عكازات» المتلقّي النمط؛ لذا، في مرحلة تهتّك المفاهيم، لا مشاحة من ضرورة ضبط السياق الإيقاعيّ، كي لا ينفلت المعنى من عقال علائميّته! ليس من باب السخرية أو التهكّم، لكن يحدث أن يبحث المتلقّي النمط في مرحلة تهتّك المفاهيم عن نصّ يروي مراهقته المعرفيّة.. المراهقة المعرفية لم تعد نتيجة النموّ العرفانيّ لطبيعة الإدراك، بل هي حتميّة التهتّك السابق الذكر، فالنصّ على اختلاف أنساقه المعرفيّة باتَ في دائرة تضيق لتؤطرها مراهقة الفرد المعرفيّة.