مقالات وآراء

لوقف الانهيارات وتأمين الخدمات وقبول المساعدات غير المشروطة

} علي بدر الدين

حسمت القوى السياسية والحزبية الأساسية مواقفها لجهة منح الحكومة الثقة شبه الكاملة في مجلس النواب، عبر كتلها النيابية، باستثناء قلة قليلة. وساهم انضمام تكتل «لبنان القوي» إلى مانحي الثقة بعد تعليق تردّده في هذا الشأن، من خلال بيان أصدرته الهيئة السياسية للتيار الوطني الحر، ساهم في تعديل ميزان الثقة لصالح الحكومة، التي من المتوقع ان تنال ثقة نحو 100 نائب، وبرّر «التيار» تعليق تردّده في منح ثقته للحكومة، بأنّ مطالبه وشروطه تضمّنها البيان الوزاري للحكومة «بحذافيرها» من دون «زيادة أو نقصان»، بدءاً من توقيع التدقيق الجنائي، إلى تبنّيه ولوج الإصلاحات المالية والنقدية وإقراره البطاقة التمويلية، والتحقيق في انفجار مرفأ بيروت واللامركزية الإدارية والنزوح السوري واستعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها ومشاركة المغتربين فيها، وكلّ تفصيل طلبه مهما كان صغيراً، وهذا يعني من دون تفسير أو تدليل، أنّ هناك نوعاً من التطابق في قراءة الأوضاع العامة والخاصة في لبنان بين وزراء لجنة إعداد البيان الوزاري، الذي حظي بموافقة مجلس الوزراء، وبثقة غالبية نواب الشعب، وأصبح واقعاً جدياً، وتفرض الأنظمة والقوانين، الاعتراف به والالتزام بمضمونه والسير في تنفيذه، لأنّ العبرة دائماً هي في التنفيذ.

بعد منح الحكومة الثقة ليس كما قبله، ولا بدّ من تغيير قواعد اللعبة بين القوى السياسية، التي تجيد اللعب على الحبال في أيّ زمان، وتميل مع اتجاه أيّ ريح تكمن فيها مصالحها، وتدعم صفوفها ومواقعها في السلطة وخارجها، وهي بلا شك تملك بديهة سرعة الخروج من الأزمات والمشكلات التي هي سببها ومن صناعتها، ورميها في أحضان الشعب وتحديداً في بيئاتها الحاضنة، المخدّرة التي تتجرّع السمّ، وتتألّم وتعاني، و»على قلبها مثل العسل» وفق المثل الشعبي.

هذا الشعب الذي «رفع العشرة» واستسلم لقدره وحكامه وينوء منذ عقود خلت، تحت ضغوط وأعباء وأثقال اقتصادية ومالية واجتماعية ومعيشية وصحية وخدماتية، يُصرّ على تمسكه بقشة الحكومة ووعودها لعلّ وعسى، وإنْ كان مكرهاً ومجبراً بحكم الأمر الواقع السياسي الطائفي والمذهبي والسلطوي، مع فقدانه الأمل بالمحاسبة واستعادة الحقوق والخدمات والأموال المنهوبة، لأنه ما زال عاجزاً عن رفع صوته، وإعلان رفضه لسياسة إفقاره وتجويعه وإذلاله وتهجيره، وقد بات أسير ولاءاته وخياراته المشوّهة وسلوكه اليومي المرسوم له منذ أن اختار «وليّ نعمته» بإرادته، وتحوّل من إنسان حرّ إلى تابع ومرتهن، يقبل مع الشكر «كرتونة إعاشة» أو»التشرّف» بالسلام وإلقاء التحية، على من استغلّ ضعفه وبساطته واستثمرهما لتحسين شروطه ورفع سقوفه من أجل السلطة والمال والنفوذ وزيادة الحصة.

الواقع الشعبي السيّئ، لا يشجع على إحداث الفرق والتغيير والمحاسبة، ولا يعني أنّ الرهان لإحداث التغيير المطلوب، سيكون على السلطة السياسية والمالية الحاكمة منذ ثلاثة عقود، أو من خلال سلطاتها وحكوماتها المتعاقبة، التي أغرقت البلاد والعباد في الفساد والمحاصصة والإهمال والحرمان والصفقات، التي أنتجت العتمة الشاملة والانهيارات المتتالية في القطاعات الاقتصادية والمالية والإنتاجية…

المطلوب من الحكومة الحالية أن تكون أفضل حالاً، وأن تسعى لأن يمنحها الشعب ثقته، ولا تكتفي فقط بثقة الكتل النيابية. وذلك من خلال ما سوف تنتجه من حلول ولو في الحدّ الأدنى، وترفع كوابيس الفقر والجوع والبطالة والذلّ على محطات المحروقات، وتوفر الدواء، وتقوّض أسس «مافيات» السوق السوداء، و»تضرب» السماسرة والفاسدين وتجار الاحتكار.

وهنا لا بدّ من لفت الانتباه إلى أنّ توجيه بوصلة الحكومة الجديدة فقط على المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي يمثل خطأ واضحاً، لأنّ السلطة بالجملة والمفرّق تعلم وتدرك أنّ أية قروض أو مساعدات أو هبات خارجية سوف تكون مشروطة، والحكومة غير قادرة على الالتزام بكلّ هذه الشروط، خاصة منها الشروط السياسية التي لا تصبّ في مصلحة لبنان.

من هنا على الحكومة أن تبدأ أولاً بطرق أبواب من هم مستعدّون لمساعدتنا من دون شروط مسبقة… وهؤلاء موجودون وقد أعلنوا مواقفهم جهاراً نهاراً ولا يحتاج الأمر سوى إلى بعض القرارات الجريئة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى