الحرية القومية الاجتماعية في التفكير القومي الاجتماعي
} يوسف المسمار
كنت في ستينات القرن الماضي قد أعددت أربع دراسات حول رموز الزوبعة التي كما قال سعاده في محاضرته الثانية بتاريخ 18 كانون الثاني 1948 «ترمز إليها أطراف الزوبعة القومية الاجتماعية الممثلة في علم الحزب السوري القومي الاجتماعي، التي هي أربع دعائم تقوم عليها الدولة القومية الاجتماعية: الحرية، الواجب، النظام، القوة»، لكي تكون محاضرات تثقيفية إذاعية ألقيتها في أوساط الطلبة تسبقها مقدمة عن ضرورة الوعيّ والمعرفة والفهم.
وقد صودرت تلك الدراسات عندما داهم أفراد سلطة المكتب الثاني المخابراتي في لبنان شقتي في منطقة سن الفيل، ولم ينج من تلك الدراسات إلا ملخص لهيكل الدراسة حول الحرية في الفلسفة السورية القومية الاجتماعية، كنت قد شاركت بها في الندوة الفكرية أو الاجتماع الفكري الذي عقده مكتب الطلبة في منزل حضرة رئيس الحزب الأسبق الأمين السجين أسد الأشقر، حيث حضر الاجتماع على ما أذكر الرفقاء: الدكتور عادل ضاهر وهنري حاماتي وغسان الأشقر وجوزيف بابلو وميشال مرقص وآخرون لم أتذكر أسماؤم الآن … فحملت معي ذلك الملخص إلى البرازيل ووسعته في ما بعد، وكان نواة لهذا الكتاب الذي جاء تحت عنون: «الحرية صراع تطور لا تقهقر».
وفي إهداء هذه الطبعة الثانية من الكتاب، أحب أن أضيف شيئاً مهماً هو أن كل كلمة من كلمات اللغة تكتسب معناها الحقيقي وروحها الهادفة من النظرة أو الفلسفة التي انبثقت منها وتعبّر عن مضمونها وجوهرها وتطلعاتها. وكلمات الحرية والواجب والنظام والقوة لا يمكن أن تخرج عن هذا النطاق.
فالحرية والواجب والنظام والقوة في الفلسفة المادية هي حرية مادية وواجب مادي ونظام مادي وقوة مادية كما هي في الفلسفة الروحية حرية روحية وواجب روحي ونظام روحي وقوة روحية.
وهي أيضاًجزئية فردية أو فئوية أو مجموعية أو طائفية أو إتنية أو كيانية مناطقية في الفلسفات الجزئية الفردية والفئوية والمجموعية والطائفية والإتنية والكيانية المناطقية. وهذا ما يساعدنا على فهم وإيضاح مفهوم الحرية والواجب والنظام والقوة في الفلسفة القومية الاجتماعية.
كل كلمة في التفكير القومي الاجتماعي لها محتوى قومي اجتماعي في مفهومنا.
فالحرية حرية قومية اجتماعية، والواجب قومي اجتماعي، والنظام قومي اجتماعي، والقوة قومية اجتماعية، هذه هي العقيدة السورية القومية الاجتماعية التي عرّفها سعاده بهذا القول:
«نعرّف العقيدة بأنها قومية اجتماعية فهي قومية لأنها تقول بالأمة والولاء القومي. وهي اجتماعية لأن غايتها الاجتماع الإنساني-المجتمع، وحقيقته، ونموه وحياته المثلى. والمجتمع الأكبر والأمثل هو الأمة، وقد جاء في التعاليم: «أمة واحدة – مجتمع واحد».
فالمنطلق، إذاً، هو وحدة الأمة ووحدة روحيتها -وحدة مجتمع الأمة وحقيقته ونموّه وحياته المثلى، ومثاله الأعلى هو الهدف. وكل حرية أو واجب أو نظام أو قوة لا ينطلق من قاعدة الانطلاق باتجاه الغاية المثلى ليس بحرية قومية اجتماعية ولا بواجب ولا بنظام ولا بقوة في التفكير القومي الاجتماعي.
قال باعث حركة النهضة السورية القومية الاجتماعية:
«الحق والحرية هما قيمتان أساسيتان من قيم الإنسان-المجتمع! كل مجتمع يفقد هاتين القيمتين يفقد معنى الحياة السامي. الحياة بدون هاتين القيمتين عدم».
وقال عن الحرية:
«إذا لم تكونوا أحراراً من أمة حرّة، فحريات الأمم عارٌ عليكم».
وفي الواجب قال:
«يجب علينا أن نفهم هدفنا فهماً صحيحاً لنكون قوة فاعلة مُحقّقة، ولكي نتمكن من العمل المنتج».
وعرّف النظام في محاضرته الثانية بأنه:
«نظام قومي اجتماعي بحت، لا يقوم على التقليد الذي لا يفيد شيئاً، بل على الابتكار الأصلي الذي هو من مزايا شعبنا».
وأضاف: «ان مبادئنا القومية الاجتماعية قد كفلت توحيد اتجاهنا، ونظامنا قد كفل توحيد عملنا في هذا الاتجاه».
ونصل إلى معنى القوة التي عرّفها أفضل تعريف بقوله:
«والقوة قوتان: مادية ومعنوية وإهمال الواحدة يسبب هلاك الثانية. وقد كانت القوة في الأصل مادية بحتة ثم أخذت تتطور بدخول الفكر البشري وارتقائه حتى أصبحت معنوية أيضاً، وأصبح الفكر أعظم من المادة، فكثر اعتماد الأمم الحيّة على الفكر الذي هو قوة غير محدودة. ولما كانت الصحافة أهم الوسائل في تنمية القوة الفكرية في الأمم كانت العناية بالصحافة من أهم شؤونها الحيوية».
وذلك لتحطيم أقلام العبودية وإخراس حملتها في معارك الحرية.
وأعظم قوة في التفكير القومي الاجتماعي هي القوة التي عيّنها بوضوح لا غبار عليه ولا التباس في فهمه هي التي قال عنها:
«إن أفضل وأحق قوة في هذا الكون هي القوة التي تعبّر عن مصالحنا وحقوقنا ومطالبنا العليا، وإياها وحدها يجب أن نؤيد».
وبناء على ما تقدم، ومن وحي النظرة الجديدة الكلية الشاملة إلى الحياة الإنسانية الراقية يتضح أن أطراف الزوبعة القومية الاجتماعية جميعها هي فضلاً عن كونها أطرافاً، فهي الدعائم المتينة المناقبية والقيمة العملية لنشوء وقيام وارتقاء دولة الأمة السورية القومية الاجتماعية الراقية.
فإذا انفرطت واحدة أو انفصلت عن جوهرها ومركبها وغايتها فقد فقدت معناها وقيمتها وبطل أن تكون الحرية قومية اجتماعية وكذلك بطلت قومية – اجتماعية كل من الواجب والنظام والقوة.
إن مركب مناقب وقيم الحرية والواجب والنظام والقوة القومية الاجتماعية واحترامها والالتزام بممارستها هو الذي يعبّر عملياً عن تحقيق الحياة المثلى لأمتنا في هذا الوجود، ويجعلها معلمة وهادية للأمم وليس متسولة ذليلة على بقايا موائد الشعوب ومكبات فضلاتها المسممة المادية والروحية من الأفكار، التي تخدم مصالحها والدعايات التي تخدر وتضلل غيرها من الشعوب، ومن الأغذية الفاسدة.
إن المأساة الحقيقية للأمم هي أن كل فرد في مجتمع – الأمة أصبح يدعي نفاقاً وكذباً أنه الممثل والمعبّر عن إرادة الأمة وحده، ولا يقبل شريكاً له.
وحتى في الجماعة الواعية التي يُعـتبر فيها العقل القومي-الاجتماعي هو الشرع الأعلى في الحياة، صار كل أناني يتوهم أن عقله الفردي أكبر وأنضج وأرشد من عقل الجماعة الواعية.
فهل ومتى يستيقظ الواهمون ويكتشفون ويقـتـنعون أنه من المستحيل التمتع بالحرية والحياة الراقية في هذا الوجود من دون الوعيّ والمعرفة والمناقب والأخلاق والأفعال الصالحة في نظام قومي اجتماعي جديد عادل، يمكن أن يضمن للأمة وللفرد وللإنسانية الحياة الكريمة الجميلة الحرة الأفضل؟!
لقد كان محقاً الفيلسوف أنطون سعاده في قوله:
«إن مأساة الحرية الكبرى، ليست في المحاكم ولا السجون. إنها أقلام العبودية في معارك الحرية».
ولكني أود أن أضيف إلى قوله الحكيم أن أعظم وأخطر مأساة لحرية الأمة وحياتها تكمن في نفوس وعقول الذين يدّعون زوراً أنهم متنورون، ومتعلمون، ومثقفون، وأحرار، ومناقبيون أخلاقيون، بينما هم في الحقيقة عبيد أنانياتهم وغرائزهم وأوهامهم وأحقادهم وشهواتهم العابرة بحسب فلسفة أنطون سعاده.
إن أبناء الحياة هم الذين يعيشون ويموتون في أمة حرة كريمة أعزاء، ولا قيمة للحياة ولا الموت إلا إذا كانت الحياة والموت بحرية الأمة وكرامتها.
هكذا نفهم معنى الحياة والموت في فلسفة القومية الاجتماعية.
البرازيل 5 أيلول 2021