العلاقات الروسية «الإسرائيلية» استراتيجية ولكن…
} د. حسن مرهج
لا شيء يدعو للدهشة أو الحيرة حيال ملفات الشرق الأوسط، فالحقائق والمعطيات، تؤكد بأن محور المقاومة يسير في خطى غاية في الثبات، وعلى جميع القوى الإقليمية والدولية، التعامل مع هذا الواقع، المبني على منطق القوة الجيو استراتيجية، فضلاً عن ذلك، فإنّ معادلات اليوم تقتضي في العمق، التباحث وتقريب وجهات النظر، مع إعادة تقييم للوقائع والمعطيات، التي فرضتها قوى المقاومة في عموم المنطقة، وعليه، فإن مُجمل التحركات بشقيها السياسي والدبلوماسي، إنما تأتي ترجمة حقيقية ومنطقية، لجُملة التطورات التي فُرضت من طهران إلى فلسطين وصولاً إلى سورية، إذ بات واضحاً في هذا الإطار، حجم الهواجس والتحديات التي تؤطر عمل الساسة في «إسرائيل»، ومن هنا أيضاً، يُفهم البحث «الإسرائيلي» عن موجبات التهدئة على مبدأ ما يُمكن ما تسميته «لا ضرر ولا ضِرار».
ضمن ما سبق، وعلى اعتبار أنّ روسيا باتت بموجب عودتها القوية إقليمياً ودولياً؛ باتت بمثابة القطب الموازن للتحالفات الشرق أوسطية، والموازي قوةً وسياسةً القطب الأمريكي، والأهمّ، فقد بات الجميع ينظر إلى روسيا، بمثابة ضابط إيقاع التوترات في المنطقة، والجميع يخطب ودها، مع التأكيد دائماً، على أنّ روسيا بموقعها الحالي، هي حليفة الجميع، وتربطها علاقات استراتيجية مع غالبية القوى الإقليمية والدولية، لكن تبقى مصالح روسيا، تفرض نمطاً من هندسة العلاقات على مستوى الإقليم والعالم.
في ذات الإطار، يُمكن القول، بأنّ طبيعة وماهية العلاقات الروسية «الإسرائيلية»، لا تتعكر بالملفات الإيرانية والسورية والفلسطينية، خاصة أنّ لدى الدولتين منطقاً في التعاطي مع تلك الملفات، على قاعدة لكلّ مقام مقال، وهذا ما تؤكده المعطيات التي تلت لقاء وزيري خارجية روسيا و«إسرائيل»، اللذين تباحثا في الملفات السابقة، فقد أظهرت المحادثات الأولى بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره «الإسرائيلي» يائير لابيد، أنّ افتراضات أن تغيّر موسكو نهجها تجاه «إسرائيل»، بعد وصول الحكومة الجديدة إلى السلطة في هذا البلد، مبالغ فيها بوضوح، إذ لم تصدر كلمة واحدة تدين الضربات «الإسرائيلية» على سورية، بل على العكس من ذلك، فقد شدّد الوزير الروسي على أنّ موسكو لا تريد أن تُستخدم الأراضي السورية ضدّ «إسرائيل» أو أيّ أحد آخر، كائناً من يكون.
كلمات سيرغي لافروف السابقة، تُفهم سياسياً وعسكرياً، على أنها رسائل تلميح لإيران بعدم تحويل الجغرافيا السورية، إلى مركز لإطلاق الهجمات ضدّ «إسرائيل»، لكن في المقابل، فإنّ هذا الأمر، لا يعني إطلاقاً السماح لـ «إسرائيل» باستباحة الأراضي السورية، أو حتى تهديد الوجود الإيراني في سورية، والذي جاء بطلب رسمي من الدولة السورية، وبالتالي، فإنّ موسكو تستطيع أن ترسم لـ «الإسرائيليين» حدود تحركاتهم، بما لا يؤدي إلى نتائج غير متوقعة ومفجرة للمنطقة.
في جانب آخر، هناك مثال واضح على جُملة التفاهمات الروسية «الإسرائيلية»، حول الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، فقد كانت تصريحات وزيري خارجية موسكو وتل أبيب أيضاً واضحة في هذا الإطار، فموسكو باقية على استعدادها للمساعدة في إقامة اتصالات بين الطرفين، سواء على المستوى الثنائي، أم في إطار «رباعية وسطاء الشرق الأوسط» روسيا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة»، وهنا وصف سيرغي لافروف عقد اجتماع الرباعية على المستوى الوزاري بالمفيد، لكنه اعترف بوجود أسباب وراء توقف «الجوانب السياسية للتسوية في الشرق الأوسط»، ومن الواضح أنّ موسكو لن تضغط في هذا الموضوع، مدركة عدم جدوى ذلك في الوقت الحالي.
أما «إسرائيل» فهي في الواقع، لا تضع التفاوض مع فلسطين في قائمة أولوياتها، بقدر ما تسعى لمنع نشوب حرب جديدة مع الفلسطينيين، فعشية زيارة لابيد إلى موسكو، اندلعت الاشتباكات مجدّداً، بين الفلسطينيين وقوات الأمن «الإسرائيلية»، وما حرّض على هذه الاشتباكات هروب الأسرى الفلسطينيين من أحد السجون «الإسرائيلية» الحصينة، حيث تمّ الإعلان عن حملات تضامن مع الأسرى في الأراضي الفلسطينية، ومع ذلك، لم يتمّ التطرق إلى هذا الموضوع بأيّ شكل من الأشكال في المؤتمر الصحافي في موسكو. إنما جرى التركيز فقط على العلاقات الثنائية.
في جانب أخر يؤرق «إسرائيل»، وتتفهّمه موسكو، هو الأمر المتعلق بالملف النووي الإيراني، واحتمالات عودة واشنطن للاتفاق مع إيران، يُلاحظ في هذا الإطار، أنّ هناك تفهّماً روسياً لهواجس إيران، وفي المعلومات التي جاءت عقب اللقاء الروسي «الإسرائيلي» في موسكو، أنّ هناك تطمينات روسية لعدم قلق «إسرائيل»، إضافة إلى التركيز على جزئية تتعلق بضبط النفس لجهة «إسرائيل»، حيال أيّ اتفاق أميركي إيراني، الأمر الذي يؤكد، بأنّ هناك مساعي من قبل جميع القوى في المنطقة، لضبط نغمة التوترات، واستبدالها بنغمات سياسية هادئة، خاصة أنّ موسكو، تربطها علاقات غاية في العمق مع طهران وكذا دمشق، الأمر الذي لا يُمكن التفريط به، خاصة في المكانة الإقليمية والدولية، التي وصلت إليها روسيا جراء تحالفاتها مع سورية وإيران.
مُجملاً، صحيح أنّ العلاقات الروسية «الإسرائيلية» استراتيجية، لكن هناك أيضاً بُعداً آخر في الرؤية الاستراتيجيّة لموسكو، ترتكز على عدم وضع البيض كله في سلة واحدة، الأمر الذي يؤكد بأنّ روسيا لديها أيضاً نظريات استراتيجية شاملة مع دمشق وطهران، ولا يُمكن بأيّ حال من الأحوال، تجاهل سلال القوة الإيرانية والسورية.