موسوعة الفلسفة الفرنسيّة المعاصرة: الفكر في معترك الحياة
باسل الزين
ماذا يعني أن يصدر الجزء الأول من موسوعة الفلسفة الفرنسيّة المعاصرة في هذا التوقيت بالتحديد؟ في هذه اللحظات العصيبة التي بات الفكر فيها ضرباً من الخروج على الواقع، والإقامة في بروج عاجية.
حقيقة الأمر أنّ المشروع لم يكن وليد لحظة بعينها بل هو استمرارية لجهد فلسفي أصيل بدأ مع الفلسفة المعاصرة في لبنان ومن ثم في سورية. الحق أن عرّاب المشروع الدكتور مشير عون لم يدّخر جهداً في رسم مسار ضخم ترافقه في ذلك ثلة من المفكرين والناهضين بمشروع فلسفي تنويري والمؤمنين بسلطان العقل، ولغة الفهم.
درءاً للتكرار، سأسلط الضوء هنا على جانبين اثنين:
الجانب الأول: الجهد المفهومي الذي بذله د. عون في الرسم التقديمي للكتاب الذي يمكن أن يعتبر، وبحق، تأريخاً دقيقاً، وتحقيباً متبصّراً، وتفكيكاً ممنهجاً، للتيارات الفكرية الفرنسية المعاصرة، ورصد ملامح تحوّلاتها، وإشكالاتها، وطروحاتها، ومعضلاتها. وأكثر، لم تشكل المقدمة ضرباً من السرد الفلسفي أو التأريخ السردي، بل عكست صورة العالم المتبحر والفيلسوف المتعمق الواقف على مندرجات المدارس الفلسفية، واعياً بدقائق توجهاتها.
الجانب الثاني: لم يسع الباحثون في هذا الكتاب إلى عرض أو شرح جوانب بعينها من مذهب الفيلسوف المعني بالدراسة، بل انكبوا انكباباً عميقاً، وجهدوا جهداً بيّناً في تبيّن مواضع الإعضال في فكر الفيلسوف، ومساءلته، والتعاطي مع النقاط الإشكالية التي تثيرها فلسفته من ضرب من الاشتباك الجدلي والنقدي، ومقارعة الحجة بالسؤال.
عود على بدء، إنّ صدور الجزء الأول من هذه الموسوعة التي ستضمّ عشرة أجزاء، وتناول هذا الجزء فلسفات التفكيك والاختلاف هو لعمرنا نبض حياة، بخاصة في لبنان، وتأكيد مضاعف مفاده أن ثمة مفكرين اليوم يفككون المفكك، ويخالفون المختلف، ويشتبكون فكرياً مع أكثر الأفكار أصالة معاصرية، وأنّ البقاء على قيد الفكر هو بقاء على قيد الحياة رغم كلّ المآسي وكلّ محاولات قتل الصوت المعرفي، والانهمام المعرفي، وإحلال صوت الجهل والتخلف محله.
موسوعة الفلسفة الفرنسيّة بارقة أمل ورجاء، ودليل ساطع على أنّ القيامة المرجوة تبدأ بالفكر وليس بأيّ شيء آخر.