«إيفرغراند» الصينية واحتمالات تسببها في أزمة مالية جديدة
تعرضت الأسواق المالية العالمية يوم الاثنين الماضي لهزة قوية وسجلت خسائر ملحوظة، لم تتعرض لها بهذا الشكل المتزامن منذ أشهر، وسط مخاوف كبيرة إزاء السوق الصينية وحملة التدقيق التي تقودها بكين حول شركة العقارات العملاقة «إيفرغراند».
إذ كان اختبار الاثنين واضحاً في انخفاض مؤشر «أس أند بي 500» الأميركي بنسبة 1.7 في المئة، وهو أكبر هبوط له منذ أيار، كما انعكست الخسائر في التعاملات الآسيوية صباح اليوم التالي، وقد تراجعت الأسهم اليابانية والصينية إلى جانب العملات المشفرة.
وبسبب خسائر الأسهم ليلة الاثنين، فقد أغنى 500 شخص في العالم ما مجموعه 135 مليار دولار من صافي ثرواتهم، ما زاد حدة القلق في الأسواق، التي تترقب توجهات السياسة النقدية في العالم بقيادة الولايات المتحدة. لكن لم كل هذا القلق بشأن شركة واحدة صينية؟
أما عن سبب القلق، فقد أصبحت شركة التطوير العقاري العملاقة “إيفرغراند” أكبر مصدر قلق مالي في الصين حالياً، وسرعان ما أصبحت مشكلة عابرة للحدود، وذلك لأن ديونها تراكمت إلى حد 300 مليار دولار، ومن المتوقع على نطاق واسع أن تتخلف عن سداد التزاماتها، بحسب تقرير لوكالة “بلومبيرغ”.
وتمتلك المجموعة 1300 مشروع في أكثر من 280 مدينة، وتبلغ قيمة أصولها تريليوني يوان أو ما يعادل 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للصين، لكن امتدادها يتجاوز مجرد بناء المنازل، ومالكها هو الملياردير هوي كا يان الذي له إسهامات في صناعة السيارات الكهربائية والإنتاج الإعلامي والمياه المعدنية وكرة القدم.
فيما بدأت مشكلات الشركة في عام 2020، عندما ورد أن “إيفرغراند” أرسلت خطاباً إلى حكومة مقاطعة قوانغدونغ، يحذر المسؤولين من أزمة سيولة محتملة.
وشككت “إيفرغراند” في وقت لاحق في صحة الرسالة، وفي النهاية تجنبت الأزمة عندما تنازلت مجموعة من المستثمرين عن حقهم في مستحقات بقيمة 13 مليار دولار، ولكن لا يزال هناك الكثير من الديون المستحقة، وتتوقع وكالات التصنيف تخلف الشركة عن السداد.
وفي ما يطرح حول إمكانية إنقاذها، فيقول الخبراء بأنّه “لا يمكن لأحد فعل أي شيء سوى بكين نفسها”، والآن، يحبس المستثمرون في جميع أنحاء العالم أنفاسهم انتظاراً لمعرفة ما إذا كانت الحكومة ستتدخل وتقدم خطة إنقاذ، أو ستطالب بإعادة هيكلة الشركة، أو ربما – وذلك السيناريو الكارثي – بحسب الخبراء فستترك القدر يأخذ مجراه وتخاطر بانهيار الشركة المترامية الأطراف واندلاع فوضى محتملة واسعة النطاق.
وفي ما يتعلق بأهمية كل ذلك فإنه يأتي من توقعات حاملي السندات (ديون الشركة) ومستثمري الأسهم ووكالات التصنيف الائتماني تخلف “إيفرغراند” عن السداد، ويقولون إن “إعادة هيكلة الديون أمر شبه حتمي”. وقد شعرت الأسواق العالمية بالفعل بالموجات الصدمية، يوم الاثنين، مما تسبب في خسائر حتى في الشركات التي ليست لها صلة واضحة بالصين أو قطاع العقارات.
ومع ذلك، فمن المتوقع أن تتخذ السلطات في بكين قراراً أكثر إيجابية، بدلاً من مجرد السماح بانهيار فوضوي يؤدي إلى الإفلاس. إذ تدير الدولة معظم البنوك ويمكن أن تمارس الضغط على الدائنين والموردين والأطراف الأخرى، مما يبقي المخاطر النظامية عند الحد الأدنى.
في حين أن مستثمري “إيفرغراند” لن يستردوا سوى جزء صغير من أموالهم، فإن عمليات الشركة ستظل محمية وسيتم تسليم العقارات غير المكتملة إلى أصحابها.
لكن من ناحية أخرى، يمكن أن تكون التداعيات غير المنضبطة كارثية على الاقتصاد الصيني، الذي يعد أحد المحركات الرئيسية للنمو العالمي.
كما أن الضوابط الصارمة للقضاء على الوباء تضرّ بالفعل بإنفاق التجزئة والسفر في الصين، في حين أن إجراءات خفض أسعار المنازل لها تأثير سلبي، ولو حدث تصحيح للقيم والأسعار في سوق العقارات الصيني، الذي يشكل 28 في المئة من اقتصاد الصين و40 في المئة من أصول الأسر، سيكون هناك خطر كبير على الاستقرار الاجتماعي.
وفي أسوأ السيناريوات، فسينتشر الضغط المرتبط بانهيار الشركة عبر النظام المالي العالمي ويؤدي إلى تجميد سوق الائتمان العالمية، ما قد ينتج منه لحظة جديدة شبيهة بانهيار بنك “ليمان براذرز” الأميركي في 2008، وتخاطر بتكرار الأزمة المالية العالمية وجر الاقتصاد العالمي إلى الركود.
وربما يشمل ذلك انهيار قطاع العقارات، وارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض الأجور، وحدوث ركود اقتصادي مطول. في حين تمتلك الصين الكثير من الأدوات لمنع ذلك، بالطبع، ويعتقد الكثير في “وول ستريت” أن بكين ستستخدمها إذا لزم الأمر.
وقد تراجعت قيمة سهم “إيفرغراند” بنسبة 90 في المئة تقريباً منذ تموز من العام الماضي، حيث اتخذت الحكومة الصينية إجراءات صارمة بشأن المضاربة في سوق العقارات، وخسر السهم أكثر من 20 في المئة في جلسات التداول الخمس الماضية فقط.
ومع ذلك، قال محللون إن “مشكلات ديون شركة التطوير العقاري من غير المرجح أن تسبب نفس تداعيات انهيار بنك الاستثمار الأميركي ليمان براذرز” في عام 2008، بحسب تقرير لشبكة “سي أن بي سي”.
وعندما يتعلق الأمر بحجم التأثير المحتمل في الأسواق المالية الدولية، يشير المحللون إلى فرق كبير بين أزمة “إيفرغراند” وانهيار بنك “ليمان”، حيث تمتلك “إيفرغراند” بالفعل الأراضي التي تطورها، فيما كان يمتلك “ليمان” أصولاً مالية.
وقال روب كارنيل، رئيس الأبحاث الإقليمي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى بنك “آي أن جي”، إن “إيفرغراند” تعاني من مشكلات في التدفق النقدي، لكن الحديث عن المخاطر النظامية “مبالغ فيه بعض الشيء”.
وأضاف: “دعونا نواجه الأمر، هذا ليس بنك ليمان، هذا ليس “أل تي سي أم”، في إشارة إلى صندوق تحوط أميركي كبير، والذي انهار في التسعينيات متسبباً في عدوى مالية واسعة النطاق آنذاك.
وتابع المحلل قائلاً: “إنه ليس صندوق تحوط مع رافعة مالية ضخمة أو بنكاً تتدهور أسعار أصوله المالية نحو الصفر، إنها شركة تطوير عقاري بها قدر كبير من الديون، كما تعلمون، أكثر من 300 مليار دولار”.
ويتوقع كارنيل أنه في حال تمكنت “إيفرغراند” من تأمين بعض التدفقات النقدية عبر أصولها المادية، فيمكن للشركة إنهاء مشاريعها التنموية وبيعها والبدء في سداد الديون.
من جهته، قال لاري هو، كبير الاقتصاديين المعني بالشأن الصيني لدى بنك الاستثمار الاسترالي “ماكواري”، في تقرير يوم الثلاثاء: “تواجه الشركة أزمة سيولة على الرغم من أنها تمتلك بنكاً كبيراً للأراضي”.
وأضاف أن انهيار بنك “ليمان براذرز” في عام 2008 أدى إلى انهيار المشتقات المالية، مثل مقايضات التخلف عن سداد الائتمان والتزامات الديون المضمونة (منتجات مالية تقدمها البنوك بالمقام الأول) مما تسبب في شكوك بالسوق حول صحة البنوك الأخرى.
لكن من غير المرجح أن تتسبب أزمة “إيفرغراند” في انهيار أسعار الأراضي، فبعد كل شيء، قيمة الأرض هي ببساطة أكثر شفافية واستقراراً من الأدوات المالية، وهذه هي الحال بشكل خاص في الصين، حيث تحتكر الحكومة المحلية المعروض من الأراضي، وفقاً للاري هو.
ونتيجة لذلك، يعتقد أن الحكومات المحلية ستكون مدفوعة في مساعدة الشركة بالرغبة في تحقيق الاستقرار بأسعار الأراضي، وفي أسوأ السيناريوات، يمكن للحكومات المحلية في الصين إعادة شراء الأراضي، كما فعلت بين عامي 2014 – 2015.