معادلة الشمال السوري حسابات روسية وأزمات تركية
} د. حسن مرهج
ليس بالأمر الجديد، أن يجتمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، لمناقشة ملفات متعددة، وعلى رأسها الملف السوري، إذ جرت العادة، أن يجتمع الرجلان في أكثر من مناسبة، للتباحث في قضايا مشتركة تهمّ موسكو وأنقرة على السواء، لكن يبقى لكلّ لقاء يجمع الطرفين الروسي والتركي، خصوصية ومضامين وتأويلات، لا يُكشف محتواها، إلا عبر ترجمة ميدانية صرفة، وهذا حقيقةً ما حدث ويحدث في سورية، لكن يبدو أنّ القمة الروسية التركية المقرّرة بعد زيارة أردوغان إلى الولايات المتحدة، لها طابع استثنائي مُخالف في الجوهر والمضمون، جُلّ القمم التي جمعت بوتين وأردوغان، لا سيما أنّ فلاديمير بوتين، قد استبق هذه القمة، بتصريحات خلال لقائه الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد في موسكو، لجهة التواجد “غير الشرعي” للقوات الأجنبية في سورية، بحيث بدا وكأنّ الحديث هنا موجه، بجانب الولايات المتحدة، إلى تركيا، التي تنشر قواتها في مناطق الشمال السوري.
تصريحات بوتين لها طابع سياسي خاص، بمعنى، أنّ تصريحاته كانت عبارة عن رسائل سياسية في إطار عسكري، حيث توازت تصريحات بوتين، مع تكثيف الطائرات الروسية من غاراتها الجوية على مناطق إدلب، ما يؤشر إلى توجه روسي جديد، يهدف إلى وضع تركيا أمام خيارات واستحقاقات، لا بدّ أن تلتزم بها، لا سيما أنّ تركيا، لديها مخاوف كبيرة من أيّ تصعيد عسكري في الشمال، من شأنه تدفق موجات جديدة من اللاجئين السوريين إلى أراضيها، لدفعها إلى تقديم المزيد من التنازلات في الملف السوري.
وتبدو التنازلات التي ستضغط روسيا للحصول عليها، خلال اللقاء المرتقب بين بوتين وأردوغان الذي سيُعقد في منتجع سوتشي الروسي، في وقت لاحق من أيلول/ سبتمبر الحالي، مختلفة هذه المرة، بحيث يبدو أن حسابات بوتين تتجاوز مسألة السيطرة على منطقة محددة، أو حتى افتتاح الطرق الدولية المارة في إدلب أمام حركة العبور، في هذا الإطار، يُفهم من السياسات الروسية الجديدة، أنّ هناك توجهات روسية، تسعى بموجبها إلى محاولة إقناع أردوغان أن يطرق أبواب دمشق، بغية الجلوس مع الدولة السورية، والالتزام بما تمّ الاتفاق عليه، ورفع يده عن دعم الفصائل الإرهابية في سورية، والأهمّ إجباره على قبول الواقع الجديد، الذي فرضته سورية وجيشها، دون ذلك، فإنّ عموم الشمال السوري، سيكون تحت نيران الجيش السوري، ونيران حلفائه.
حقيقة الأمر، فإنّ روسيا وضمن ما سبق، تعوّل على الحساسية التركية من ملف اللاجئين السوريين، والضغوط الشعبية المتزايدة على حزب “العدالة والتنمية” الحاكم جراء تبعات هذا الملف، وكذلك على التوجه التركي الجديد نحو تحسين العلاقات المتوترة مع دول متعددة في المنطقة، لدفع أنقرة التي لا تخفي رغبتها بإعادة اللاجئين السوريين، إلى التوجه للقاء الأسد، والجلوس في نهاية المطاف معه.
في ذات الإطار، فإنّ دمشق لا أحد سيثنيها عن دورها الدستوري والشرعي، بإعادة عموم محافظة إدلب إلى سيطرتها، وروسيا أيضاً ترى أنه من الضروري أن تخضع محافظة إدلب لسيطرة الحكومة السورية، أما تركيا فهي قلقة على مصير الجماعات الموالية لها، والموجودة تحت حمايتها في هذه المحافظة، فجزء كبير من المحافظة يخضع لسلطة ما يسمّى هيئة تحرير الشام، التي صنّفها المجتمع الدولي بأنها منظمة إرهابية، وحتى الآن، فشلت أنقرة في الوفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في المذكرة الروسية التركية، في تحديد وفصل الإرهابيين عن الجماعات الموالية لها.
في المحصلة، لا يمكن لأحد أن ينكر حجم التحديات والمخاطر المؤطرة لمشهد شمال شرق سورية، لكن في ذات التوقيت، هناك وقائع ومعطيات تفرض سيناريو واضح المعالم، وهو أنّ دمشق لا يمكن أن تُبقي جغرافيتها في إطار الكباش السياسي والعسكري، بين مختلف القوى الإقليمية والدولية، ذات التأثير في الملف السوري، وانطلاقاً من ذلك، فإنّ القرار بتحرير باقي الجغرافية السورية قد اتخذ في دمشق، لكن تبقى هناك بعض القُطب المخفية، والتي لا يعلم تأويلها إلا الأسد.
في هذا الإطار ثمة مفاجآت سياسية ومثلها عسكرية، تنتظر عموم الشمال السوري.