محاور دولية تتكئ على محاور إقليمية
سعادة مصطفى أرشيد*
كان للحدث الأفغاني دور كبير في تسريع التحركات السياسية في العالم، كما في الإقليم، إذ أخذت الأطراف الرئيسة تعمل بسرعة بطريقة التجمع في محور عالمي ومحاور إقليمية داعمة للمحور الكبير، المحور الأول العالمي هو المحور الأميركي ـ الإنكليزي ـ الأسترالي، ومن خلفه ذيل طويل يضمّ أوروبا الغربية والقوى الأطلسية، في حين أن المحور الآخر يتكوّن من الصين وإيران وروسيا، وإذا كان حلفاء المحور الأول قد جمعهم تحالف قديم، يدور عقائدياً على نقطة ارتكاز الاقتصاد الحر، وقد بدأ منذ نهايات الحرب العالمية الأولى، وتعمّق مع الحرب العالمية الثانية ومع تشكيل حلف شمال الأطلسي، فإنّ المحور الآخر يقوم على التشبيك السياسي والمصالح المشتركة والتهديدات والعداءات المشتركة .
في الأطراف، تتشكل محاور إقليمية تتكئ عليها المحاور الدولية، ففي حين أنّ الدولة الأميركية العميقة ومنذ عهد باراك أوباما، تريد الانسحاب من مناطق عدة في العالم، ومنها منطقتنا، والتركيز على بحر الصين وعلى تنامي النفوذ الصيني في العالم ومحاصرة مشاريعها الهادئة شكلاً والمؤذية لهم فعلاً، وأن يكتفي الدور الأميركي بالعمل الردعي اللفظي، ولكنه في كلّ الأحوال لا يزال صاحب مشروع عالمي، ولا تزال له مصالح حيوية في منطقتنا، وهو بانسحابه الفيزيائي المباشر لا يعني أنه ترك حبل المنطقة على غاربه، وإنما سيبقى موجوداً من خلال وكلائه وعلى رأسهم بالطبع «إسرائيل» التي ستقود الحلف الإقليمي بحسب ما تشير مجمل التحركات السياسية، خصوصاً أنّ العلاقات المصرية والأردنية مع (إسرائيل) قد عادت إليها الحرارة بعد انطلاق قطار التطبيع الإماراتي البحريني ومشروع السلام الإبراهيمي، وهو ما يمكن ملاحظته في زيارة نفتالي بينت إلى القاهرة أخيراً، والتي يُشتمّ منها أنّ الموضوع الفلسطيني جاء على هامشها، فيما تركزت المحادثات على الأمن ولبحث أمور الغاز المسال وخطوطه البحرية، والتحالف مع اليونان وقبرص اليونانية، هذا الحلف الإقليمي ـ الإبراهيمي، لن يحمي الدول المشاركة فيه، ولن يدافع عن أمنها القومي ومصالحها العليا من أية أخطار، فهو لن يحمي مصر من العطش القادم مع اكتمال سدّ النهضة الإثيوبي، ونفاد المياه المخزونة في بحيرة ناصر، وإنما سيحمي الجنرال السيسي وشركاءه في الحكم، هذا المحور لن يكون مستعداً للاشتباك مع إيران كرمى لعيون البحرين وإنما سيكتفي بالعمل على حماية عرشها وأسرتها الحاكمة .
في المقلب الآخر، يتشكل محور المقاومة وهلاله الممتدّ من طهران شرقاً انتهاء بغزة غرباً، وهو محور آخذ في التمطي والتمدّد، وقد ساعد على تقوية عودة، نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في إيران ووصول إبراهيم رئيسي الصقري التوجه إلى سدة الرئاسة، وقد كانت من أوائل تجليات إدارة الرئيس رئيسي، الطريقة التي تعامل بها وتحدث بها وزير الخارجية الإيراني الجديد في مؤتمر بغداد الأخير، أسلوبه في فرض منطقه وأسلوبه، وتعامله مع ذاته باعتباره اللاعب الأقوى في المؤتمر .
وجد هذا المحور في الهرولة الأميركية أثناء الخروج من أفغانستان، أمراً قد يمكن تطبيقه كلياً أو جزئياً في الخروج الأميركي المرتقب من منطقتنا، كما رأى فيه فرصة لتعزيز وضعه وتمتين قوته، بدا ذلك في أوضح تجلياته في الطريقة التي تصرفت بها إيران مع الوضع اللبناني واقتراحات الحليف اللبناني، وذلك بإرسالهم ناقلات النفط إلى لبنان، وكلهم ثقة أنّ أحداً لن يجرؤ على اعتراضها بما فيهم (إسرائيل)، الأمر الذي أربك المحور الآخر وعلى رأسه السفيرة الأميركية في بيروت التي سارعت إلى العمل على حلّ مشكلات الغاز والكهرباء، في خطوة متأخرة لمنافسة إيران. وصول هذه الناقلات الضخمة عزز أيضاً من وضع الطرف اللبناني في المحور (حزب الله)، وإثبات أنّ هذا الطرف هو القادر على حلّ مشكلات لبنان واللبنانيين جميعاً، بغضّ النظر عن مناطقهم وانتماءاتهم السياسية أو المذهبية، في أزمة كانت قادرة على الإطاحة بالدولة اللبنانية العاجزة عن فعل أيّ شيء حيال أزمة البترول .
لا يبدي محور «إسرائيل» أنه في صدد الاشتباك مع المحور الآخر في هذه المرحلة، لا مع السفن الإيرانية، ولا مع المقاومة اللبنانية التي ترفع من سقف تهديداتها، ولا مع غزة، فالسيد الأميركي لديه همومه وأولوياته، التي تفوق في أهميتها أولويات حلفائه الصغار، وفي ظني إنها فرصة ذهبية قليلاً ما تتكرّر للبنان وغزة لفرض ما يدعم وجودهم وبقاءهم وسياساتهم لفترة قد لا تطول .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ