نقاط على الحروف

جنبلاط المختلف عن السنيورة والراعي حول السيادة: هل يمكن التوفيق بين مشروع المقاومة وهيبة الدولة؟

 ناصر قنديل

– بعيداً من التشنج والعصبية، وبمعزل عن صدق نوايا السؤال في طلب النقاش، يطرح كلام الأستاذ وليد جنبلاط الحاجة لنقاش فكرة العلاقة بين إنجازات المقاومة، وحضور الدولة ومؤسساتها، والتي استحضرتها بقوة مشاهد قوافل المازوت الآتية عبر الحدود السورية، والتي أسماها جنبلاط بـ «غزوة المازوت»، وأظهر رئيس الحكومة حزنه على اعتبارها انتهاكاً للسيادة، ووصفها الرئيس السابق فؤاد السنيورة والبطريرك بشارة الراعي بالاعتداءات المنهجية على السيادة، واختار جنبلاط تناولها بصيغة التساؤل عن إمكانية التوفيق، تعبيراً عن سعي للواقعية أو لإثبات الاستحالة، كتمهيد في علم المنطق للاستخلاص بحتمية الاختيار، كما سابقاً بين نموذجي هانوي وهونغ كونغ.

– بعيداً من كل المقدمات وحروب النوايا، السؤال جدير بالنقاش، والبداية بتعريف طبيعة المسألة والضوابط الحاكمة لتناولها، والتداعيات وسياق التعامل معها، وهنا وفقاً لقواعد علم المنطق حاجة ملحة للتمييز بين ما يعرف بالسمت الرئيسي للقضية، وبالتداعيات الجانبية الناتجة، وما يعرف بالمشكلات المتفرعة على هامش القضية، فما هي القضية وما هي المشكلة، والتمييز بينهما يفتح الطريق لإعلاء شأن القضية، والبحث بمعالجة المشكلة تحت سقف حفظ القضية، كالحال عندما نقول إن مواجهة الاحتلال كانت هي القضية في زمن ما قبل التحرير، وتنظيم حضور سلاح المقاومة والتعامل معه، أي هيبة الدولة، هو المشكلة، وأن كل محاولة لتقديم المشكلة على القضية، مجافاة لقواعد البحث في مفهوم السيادة، من دون أن يؤدي الإقرار بإعلاء شأن القضية إلى إهمال المشكلة، لأن شرط إعلاء شأن القضية يقوم على قطع الطريق على المشكلة بالتحول إلى قضية منافسة.

– في العنوان المطروح حول الملف الاقتصادي، أمامنا معطيات واضحة تقول، إن “غزوة المازوت “ هي التي جلبت لنا حكومة كانت ممنوعة بقرار أميركي، بدليل القرار الأميركي الذي ترجمته اتصالات نائبة وزير الخارجية الأميركية لتسريع ولادتها خلال 48 ساعة كما قالت للمعنيين بالتأليف، ومن يسمح يكون هو المانع، وبالقياس نفسه، “غزوة المازوت” هي التي جلبت لنا الاستثناء الأميركي من حظر عقوبات قانون قيصر لاستجرار الغاز والكهرباء عبر سورية، ويكفينا هذان البعدان لعدم التوغل في نقاش وعر حول سياق ولادة “غزوة المازوت” وخلفياتها باعتبارها تطويراً من خارج السياق لـ”مشروع المقاومة” ومبادرة اضطرارية من خارج مؤسسات الدولة، استندت إلى تسييل معادلة الردع بعبارة “السفن قطعة أرض لبنانية” لفرض سياق جدي على الاستهتار الأميركي بتبعات منع ولادة الحكومة والحظر على إجراءات إنقاذية بوابتها العلاقة مع سورية، والوقوع، أي التبدل الأميركي، يحسم صواب المنهج ويسقط النقاش في الإمكان، بدليل الوقوع، فقد تغير الأميركي، وانتهى الأمر، وما كان التغيير ممكناً لولا “غزوة المازوت”، وهذا يوصلنا لحقيقة أن الأمر ليس تجاوراً زمانياً ومكانياً بين “مشروع المقاومة” والحركة الأميركية، بل إن العلاقة بينهما هي علاقة السبب بالنتيجة، فالحركة الأميركية كانت سبباً لنقلة في مشروع المقاومة، والنقلة في مشروع المقاومة تحولت إلى سبب في تبدل في الحركة الأميركية، والعائد الإجمالي كان مكاسب سيادية للبنان، ما كانت لتكون لولا هذه النقلة، ولأن السياق بين طرفين، وطني وأجنبي والعائد سيادي، تصبح القضية محسومة، السيادة على طرف التلقي الإيجابي لـ “مشروع المقاومة”، الذي ترجمته “غزوة المازوت”.

– المشكلة الناتجة من القضية، والتي لا يجوز أن تتقدم عليها، ولا أن تؤذي العائدات الإيجابية للقضية، هي “هيبة الدولة”، وهي تشبه المشكلة التي واجهتنا خلال مرحلة التحرير، مع إثارة قضية سلاح المقاومة، وكان الجواب بتعزيز التنسيق بين المقاومة والجيش، وإبعاد الموضوع عن التداول الإعلامي الذي يحول المشكلة إلى قضية، ويدخل الخارج بما فيه الاحتلال شريكاً في النقاش، وفي حالتنا هذه ستمر فترة حتى يسقط فيه منطق العقوبات على سورية وإيران، ستجد الدولة أن هيبتها أقل أهمية من التحدي الذي تستدعيه شرعنة الباب الاقتصادي مع إيران وسورية، تجنباً للغضب الأميركي، وليس لأن المقاومة ترفض الشرعنة ودفع الرسوم، كما كانت تجد في العلاقة مع السلاح أن الهيبة أقل أهمية من التحدي الذي يستدعيه تصدر الجيش للمواجهة العسكرية مع الاحتلال، والتوفيق المتاح هو في التساكن السلمي بين منجزين سيادين، هما الدولة والمقاومة، وتنظيم التشابك بينهما بدلاً من تصعيد الاشتباك، وتخفيض سقف التوتر حول المشكلات لحساب تنمية الاستثمار على منجزات تتحقق في القضايا.

– بقليل من الهدوء، وبتخفيف الانفعال، سنكتشف ببساطة أن ثمرات إيجابية تتحقق وأن القلق السياسي الداخلي قابل للتفهم، بسبب نتائج وتداعيات أصابت التوازنات الداخلية، وربما تؤثر في الانتخابات النيابية والرئاسية، لكن القلق سياسي وليس سيادياً، وتفهم القلق السياسي يستحق الطمأنة بمحدودية الاستثمار على العائدات الداخلية، وبعدم وجود أي نوايا لتغيير التوزانات وكسر المعادلات، لكن المطلوب طمأنة معاكسة بأن لا رغبة عند صاحب القلق بتصعيد المشكلة لجعلها قضية، أو بإدخال الخارج شريكاً في النقاش الداخلي، وأن الأولوية باقية للاستثمار على عائدات الإنجاز السيادي الأصلي المتمثل بانتزاع مكاسب بحجم الحكومة والاستثناء من العقوبات، ما كانت لتكون لولا المقاومة، و “مشروع المقاومة”، و”غزوة المازوت”.

Related Articles

Check Also
Close
Back to top button