هل وُضعَ إلغاء اقتراع المغتربين على نار حامية؟
} علي بدر الدين
كلما اقترب موعد الاستحقاق الانتخابي النيابي المقرتقب في شهر آذار من العام المقبل، «تتفتق» عبقرية المنظومة السياسية، بإبداعات واقتراحات وأفكار وآراء جديدة، «لا ع البال ولا ع الخاطر» كما يُقال، وتشغل محركاتها السياسية والقانونية والتشريعية، لإجراء تعديل في القانون الانتخابي الذي أقرّته منذ أربع سنوات، زيادة أو نقصاناً أو لإلغاء فقرة أو مادة لزوم مصالحها الانتخابية، وما يوفر لها من تحصين إضافي لإعادة إنتاج نفسها، أو أقله تخفيف حجم خسائرها المتوقعة في لوائحها، التي سيتمّ خرقها كثمن لا بدّ منه على ما ارتكبته من فظائع، واقترفته من جرائم بحق الوطن والدولة والشعب والمؤسسات، وما زالت تمعن في مواصلة نهجها الإفسادي والتفقيري والتجويعي والإذلالي لكلّ اللبنانيين من دون تمييز أو تفرقة طائفية أو مذهبية أو مناطقية، وهي المرة الأولى التي «تحقق» فيها العدالة والمساواة والفساد المتوازن.
قبل بلوغ موعد الاستحقاق الانتخابي، شرّعت هذه المنظومة أبوابها لكمّ من القضايا والملفات الساخنة الخلافية، ونفضت عنها غبار الإهمال والنسيان، وقد حان وقتها لتنبش وتطفو على سطح أزمات لبنان وساحاته، كمادة للسجالات والصراعات والخلافات والاتهامات وتحميل المسؤوليات المتبادلة، عن سنوات او عقود من التواطؤ والشراكة في السلطة وخارجها، وفي الفساد والمحاصصة والنهب والاحتكار، لأنه على ما يبدو، أن «الضرورات تبيح المحظورات» والكلّ يبحث عن طوق نجاته، مع انّ الجميع محصّن بالسلطة والمال والنفوذ، ولكل واحد من مكونات هذه المنظومة حصته وأرباحه ومكتسباته وفق حجمه السياسي والطائفي والمذهبي في منطقته وعلى حدودها، ولا مجال لـ «الزعبرة» والتزوير والنفاق، وكله موثق ومعروف ومحضّر ليوم «أمّ المعارك» الانتخابات النيابية، التي لها حساباتها الخاصة والدقيقة، وعلى نتائجها يتوقف الحاضر والمستقبل لكل مكون سياسي وطائفي ومذهبي، وأيّ تهاون في مواجهتها يعني السقوط الحتمي، خاصة إذا كان بعض اللاعبين الأساسيين فيها، متهمين وفاسدين ومارقين وسارقين حقوق شعبهم، وتحديداً بيئاتهم الحاضنة، الذين بفضل سياساتهم «الحكيمة» أصبحوا «على الأرض يا حكم»، يعني بالعربي المشبرح «ع الحديدة»، من «حق» هذه المنظومة المتسلطة أن تخاف على مصيرها السياسي وعلى مواقعها السلطوية والمالية، كما على نفوذها وقوّتها وأزلامها من هبوب رياح «التغيير» الشعبية، رغم هدوئها المؤقت، فإنها قد تنذر بعواصف هوجاء تترجم في صناديق الاقتراع وقد تفعلها وتطيح بهذه المنظومة الذي بدأ «السوس» ينخرها، وتقتلعها بعد عقود من الحكم والتحكم من جذورها وقطع تمدّد شلوشها كالأخطبوط في البر والبحر والمؤسسات، وفي كلّ مكان فيه سلطة وتجارة واحتكار وصفقات وسمسرات وعقارات ومال عام وخاص.
الخوف الصامت الساكن داخل المنظومة السياسية وعلى حدودها ومدى سيطرتها وبسط سطوتها، حفزها ككل مرة تستشعر فيها من خطر الزمن الآتي على واقعها ومصيرها السياسي والسلطوي، على استجماع قواها ونفوذها وباعها الطويل في الألاعيب وصنوف الاحتيال، لاسترجاع إمساكها بالمبادرة وبرأس الخيط، وبأوراقها التي تحتفظ فيها لوقت الحشرة، وهي في هذه المرحلة تتأبّطها بقوة حتى لا تتبعثر قبل الموعد الانتخابي وتفقد بعضاً من عناصر قوّتها السياسية والسلطوية والتنظيمية.
لا غرابة انْ لجأت إلى القانون الانتخابي لإلهاء الناس في خزعبلاتها من جهة ولتحسين مواقفها ومواقعها في السلطة وخارجها من جهة ثانية، ولم تجد سوى التركيز على حق المغتربين بالاقتراع وتحديد ستة مقاعد في الخارج موزعة مناصفة بين المسلمين والمسيحيين لتمثيل ملايين المغتربين في القارات الست، وهم عملياً إذا ما تمّ الالتزام بالنص القانوني المتعلق والمغتربين لا يمثلون سوى أمراء الطوائف والمذاهب والسلطة.
إنّ الغاء هذا النص يحتاج في الأساس إلى قانون من المجلس النيابي، وبداية طريق إلغائه تمرّ عبر اللجنة النيابية المعنية ثم ربما اللجان النيابية المشتركة وأخيراً يطرح في الجلسة العامة لمجلس النواب، يعني طريق طويل خاضع للسجالات والمماحكات والشروط والأثمان من القوى السياسية والطائفية والمذهبية، ولكن الوقت يضيق، لأنّ موعد تسجيل المغتربين اللبنانيين في السفارات والقنصليات في الخارج، عليه الا يتجاوز العشرين من شهر تشرين الثاني المقبل، وعليها إرسالها الى لبنان قبل العشرين من كانون الأول، وهذا يفرض دعوة المغتربين للتسجيل قبل انقضاء المدة المحددة، غير أنّ الاتجاه يميل إلى عدم إجراء انتخابات المغتربين بذريعة عدم وجود الأموال وضعف الإمكانات اللوجستية، او على الأقلّ إلغاء المادة التي تنص على تخصيص ستة مقاعد اغترابية، أو نسف نص القانون الانتخابي على حق المغتربين بالاقتراع والتمثيل، وهذا هو المرجّح، الذي يُعمل عليه، ويلاقي ردود فعل مختلفة بين الموافقين والمعارضين له وفق حسابات كلّ فريق سياسي طائفي ومصلحته في اقتراع المغتربين، وقد بدأ شدّ الحبال بين الجهات المعنية بهذا الشأن، بانتظار معرفة لمن تكون الغلبة، بعد أن عرفت هوية المغلوب، الذي هو دائماً وأبداً الشعب اللبناني المقيم والمغترب المسلوبة حقوقه، حتى في الاقتراع للتعبير عن رأيه، على أمل أن يحدث خرقاً وفرقاً وثغراً في جدار المنظومة السياسية، لكن أحلامه تتحطم عند هذا الجدار الصلب والأصمّ، ويبقى هو الحلقة الأضعف…