ترسيم الحدود المائية على نار حامية و«إسرائيل» تتعنّت وتحاول الاستثمار
} عمر عبد القادر غندور
ما يُؤسف له حقا ان ينقسم اللبنانيون حول ثروة لبنان النفطية والغازية، وهي الثروة التي يمكن ان تكون حبل نجاة للوطن قبل إعلانه بلداً مفلساً غير مؤهّل للاستمرار والحياة!
وقبل استعراض مراحل التفاوض غير المباشر الذي رعته الأمم المتحدة بين لبنان والعدو بحضور المراقب الأميركي، انبرت إحدى الصحف اللبنانية المحلية لتقول بالحرف الواحد: توضح مصادر مواكبة انّ هذا المرسوم كان قد التزم إحداثيات الخط ٢٣ في خرائط الحدود البحرية اللبنانية الجنوبية بينما أعمال الحفر التي أعلنت شركة «هاليبرتون» عزمها المباشرة بها بالاستناد الى العقد الموقع بينها وبين السلطات «الإسرائيلية» إنما تقع الى الجنوب من هذا الخط، ما يعني أنّ لبنان لا يملك حقّ الاعتراض عليها طالما انه لم يعدّل مرسوم حدوده البحرية الى مستوى إحداثيات الخط ٢٩ وإيداعه في سجلات الأمم المتحدة، لا سيما انّ تعديل المرسوم الساري لا يزال محتجزاً في أدراج قصر بعبدا وينتظر توقيع رئيس الجمهورية عليه لإرساله الى الأمم المتحدة.
مثل هذه الجرأة على الانحياز الى غير الجانب اللبناني تستدعي توضيحاً ووضع النقاط على الحروف، والضرورة تستدعي مثل هذا التوضيح.
وللتذكير، بدأ لبنان في ترسيم حدوده البحرية اعتباراً من العام ٢٠٠٢، وكلفت الحكومة اللبنانية مركز سائمسون لعلوم المحيطات بالتعاون مع المكتب الهيدروغرافي البريطاني بإعداد دراسة لترسيم الحدود الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، لإجراء مسح جيولوجي للتنقيب عن النفط والغاز.
وواجه هذا الجهد صعوبات في الترسيم لسبب عدم وجود خرائط بحرية دقيقة وواضحة جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة.
وفي عام ٢٠٠٦ عادت الحكومة اللبنانية وكلفت المكتب الهيدوغرافي البريطاني بإجراء دراسة جديدة لترسيم الحدود البحرية للدولة اللبنانية، ولم تكن هذه الدراسة المكلفة أفضل من الدراسة التي سبقتها.
وفي ١٧ كانون الثاني ٢٠٠٧ وقع لبنان مع قبرص اتفاقية حول تعيين حدود المنطقة الحدودية الخالصة بهدف توطيد علاقات الجوار والتعاون في عهد الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة في خطوة متسرّعة تركت أكثر من علامة استفهام!
وهو ما أدّى الى خسارة لبنان ٣٦٠ كلم مربع.
واستندت هذه الاتفاقية الى القوانين المرعية الإجراء في اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار، وتمّ تحديد المنطقة الخالصة بين لبنان وقبرص على أساس خط الوسط.
لكن الدولة اللبنانية لم تبرم الاتفاقية مع قبرص التي وقعت اتفاقية اخرى مع «إسرائيل» ٢٠١١ متجاهلة ما تمّ الاتفاق عليه مع لبنان ما أدّى الى خسارة لبنان مساحة مائية تزيد عن ٣٦٠ كلم.
ورفض لبنان في حينه هذا الاقتراح، واقترح الجانب الأميركي في حينه ان يكون خط «هوف» خطاً مؤقتاً وليس حدوداً نهائية، لكن الجانب اللبناني رفض الاقتراح خشية تحوّل المؤقت الى دائم وهو ما يرغب به الجانب «الإسرائيلي».
وأعاد ساترفيلد الاميركي طرح خط «هوف» غير انّ لبنان رفض المقترح مجدّداً.
واستمر ساترفيلد بمفاوضاته مع الجانبين اللبناني و«الإسرائيلي» الى ان تمّ تعيين ديفيد شينكر خلفاً له في أيلول ٢٠١٩.
وفي الأول من تشرين الأول ٢٠٢٠ أعلن الرئيس نبيه بري «اتفاق إطار» لإطلاق المفاوضات بين لبنان و«إسرائيل» لترسيم الحدود.
وتوقفت الاتصالات في ١١ تشرين الثاني ٢٠٢٠ منذ ذلك الوقت بسبب شروط مسبقة لدولة الاحتلال. وهذا الملف يأتي في طليعة الملفات الملحة التي ينبغي على حكومة الرئيس ميقاتي تحريكها وتجاوز حالة الارتباك المتأتي من الاتفاقية الموقعة بين لبنان وقبرص التي أبرمتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وبالتالي التصدي لطموحات الجانب «الإسرائيلي» الذي يريد الاستثمار السياسي وصولاً الى ما يشبه التطبيع، كما حصل بين مفاوضين صهاينة وبعض القبائل العراقية المنبطحة في أربيل العراقية.