مخاطر انهيار سد «النهضة» على مصر والسودان
10 سنوات وما زال التوتر بين إثيوبيا وجيرانها العرب يتصاعد، من دون التوصل إلى اتفاق أو حلول، إثر شروعها ببناء سد «النهضة» على نهر النيل، والذي رأت فيه كل من مصر والسودان خطراً على الأمن المائي والقومي للبلدين.
محاولات دولية وإقليمية عدة رصدت لحثّ الأطراف على التوصل إلى اتفاق عبر التفاوض، ولكن من دون نتيجة تذكر، كان آخرُها بياناً رئاسياً صدر قبل أيام عن مجلس الأمن الدولي، يدعو الأطراف الثلاثة (مصر، والسودان، وإثيوبيا) إلى العودة للمفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي.
من جهتها، صرحت إثيوبيا أخيراً، على لسان عضو فريق مفاوضيها في ملف السد إبراهيم إدريس، أنها ستوقع على اتفاقية مع القاهرة والخرطوم «عندما يتم تأمين المصالح الوطنية والتنمية المستقبلية في الاستفادة من مصادرها المائية».
مصر لم ترَ في هذه التصريحات إيجابية إثيوبية، بل اعتبرت أن التصريحات الإثيوبية تشكل «مراوغة وعدم مصداقية، ولا تبشر بوجود إرادة سياسية للتوصل إلى اتفاق»، بحسب وزير الخارجية المصري سامح شكري في تصريحات إعلامية.
في الأثناء، انشغل الإعلام المصري في الأيام القليلة الماضية بدراسة حديثة شارك فيها متخصصون من عدة جامعات حول العالم، إضافة إلى خبراء مصريين، خلصت إلى وجود شواهد على «عوامل إزاحة وتحرك مختلفة الاتجاهات في أقسام مختلفة من السد الخرساني (الرئيسي) والسد الركامي (المساعد)، ما ينذر بانهيار السد»، وهذا بالطبع، بحسب الخبراء، لا يضر بإثيوبيا فقط، بل تصل أضراره إلى السودان ومصر.
قام الدارسون بتحليل 109 صور ومشاهد في الفترة الممتدة بين كانون الأول 2016 وتموز 2021، باستخدام تقنية الأشعة الرادارية، وخلصوا إلى النتائج الخطيرة التي أعلنوا عنها.
يقول أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة الدكتور عباس الشراقي: «هناك مشكلات فنية كبيرة في سد النهضة، طبقاً لتقرير لجنة الخبراء الدوليين في 2013، وهذا تقرير فني رسمي دولي. ونتيجةً لهذا التقرير، ترفض إثيوبيا وجود أي خبير دولي لتقييم مدى القوة الخراسانية للسد».
ويتابع: «هناك مخاطر جيولوجية في منطقة سد النهضة. يقسم أكبر فالق على سطح الأرض الهضبة الإثيوبية إلى نصفين، وهو الأخدود الأفريقي العظيم الذي قد يسبب وجود جبال بركانية ونشاط زلزالي يعد الأكبر في القارة الأفريقية. كما توجد في إثيوبيا انحدارات شديدة تبدأ من 5 اَلاف متر من سطح البحر إلى 500 متر، ما يسبب سرعة جريان مياه الأمطار وفيضانات شديدة تهدد أي مشروع مائي، خصوصاً أن هذه الأمطار الغزيرة مدتها 3 أشهر، من تموز إلى أيلول، أي في فترة زمنية قصيرة».
ويوضح الشراقي أنَّ «انهيار سد النهضة يتوقف على كمية المياه المخزنة في السد، ولكن في جميع الأحوال، فإن انهياره يمثل طوفاناً للسودان في الدرجة الأولى. وقد يصل الخطر في حال امتلاء السد الإثيوبي إلى السد العالي في مصر، والذي يبعد 2000 كيلومتر».
ويشرح: «السد العالي آمن لأنه أفضل هندسياً، لكن من الذي يضمن عدم وجود كوارث طبيعية، مثل فيضانات شديدة. ولو حصل، فلا يقدر أحد على منعه». ويعطي الشراقي مثالاً على ذلك بقوله: «شاهدنا ذلك في انهيار بعض المشروعات المائية داخل إثيوبيا، منها مشروع جيبا 2 الذي انهار 3 مرات، وكان اَخر انهيار بعد افتتاحه بـ10 أيام فقط».
في وقت ينشغل الإعلام المصري في الحديث عن خيارات الدولة المصرية في حال استمرار إثيوبيا في تعنتها وعدم مراعاة مصالح الدول المستفيدة من مياه النيل، وفي ظلِّ الخيارات التي باتت تطرح بقوة، ومنها الخيار العسكري، يرى أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة الدكتور عباس الشراقي «أن مصر متمسكة بالمفاوضات للوصول إلى اتفاق عادل للدول الثلاث مصر والسودان وأثيوبيا، يكون قانونياً وملزماً».
وأوضح الشراقي أنّ «مصر تفاوضت 9 سنوات تفاوضاً مباشراً من دون تدخل الأطراف، لكن من دون جدوى»، ويضيف: «ثم تفاوضنا في وجود أميركا والبنك الدولي، ولكن إثيوبيا تهربت من التوقيع، وتفاوضنا بعد ذلك تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، وأيضاً من دون جدوى، ما اضطر مصر إلى اللجوء إلى مجلس الأمن مرتين، والذي أصدر بياناً رئاسياً في منتصف هذا الشهر، يدعو فيه هذه الأطراف الثلاثة إلى استئناف المفاوضات بأسرع ما يمكن للوصول إلى اتفاق قانوني ملزم».