هل يمكن التحكم بسعر الصرف؟
ناصر قنديل
– يتمّ التداول بين الخبراء الاقتصاديين والماليين بنظرية استحالة التحكم بسعر الصرف، وترجيح الاعتقاد بأن الصعود والهبوط بنسب تتعدّى الـ 20 في المئة خلال أيام يؤكد أن الجانب السياسي في رسم السعر هو الأشد تأثيراً من قواعد العرض والطلب، والجانب السياسي يعني وجود مضاربة تستثمر ضخ دولارات أو شراء دولارات من الأسواق للتأثير في سعر الصرف.
– هذه النظرية التي تستخلص استحالة التحكم بسعر الصرف تعترف بإمكانية التحكم من حيث لا تدري، لأن المضاربة تستطيع التأثير عندما يكون الأساس الاقتصادي للعرض والطلب متوازناً، فعندما تكون السوق عائمة على توازن هش في ميزان المدفوعات بين واردات وصادرات العملات الصعبة فقط، يكون لضخ بضعة ملايين من الدولارات أو شراء مثلها، قدرة التأثير في السعر، والمعلوم أنه عندما يكون الطلب أكثر أو أقل من العرض بنسب كاسحة فإن السوق تتكفل بامتصاص الأموال المضاربة من دون منحها أي فرصة للتأثير في السعر.
– هذا التقارب يمثل فرصة للحكومة والسلطات المالية والنقدية للتحكم بهوامش يتحرك ضمنها سعر الصرف، استناداً إلى أن توازن ميزان المدفوعات عائد بوضوح لكون المستوردات قد تراجعت إلى النصف من جهة، وإلى أن الأموال التي تدخل السوق توازيها تقريباً، وبالأرقام فإنه مع مستوردات بقيمة عشرة مليارات دولار سنوياً، وواردات من التحويلات لغير المقيمين بسبعة مليارات وعائدات بقيمة ثلاثة مليارات للصادرات، يكون هذا التوازن فرصة للمضاربين للتلاعب بهوامش كبيرة عبر ضخ كميات قليلة من المال في سوق الصرف، بالعملة الأجنبية، فينخفض السعر أو بالعملة الوطنية فيرتفع السعر.
– المهمة الملقاة على عاتق الحكومة والسلطات المالية والنقدية ليست منافسة المضاربين كما يعتقد البعض بوجوب تدخل مصرف لبنان بضخ معاكس لوجهة المضاربين لبلوغ تثبيت هوامش تحرك سعر الصرف، لأنه بحكم التجربة التي وفرتها فوضى تمويل السلع المدعومة سيستفيد المضاربون من الأموال التي يضخها مصرف لبنان سواء بالدولار أو الليرة، ثم يعودون للعبتهم، سواء كان ذلك فعل فساد أو تعبير عن ترهل مؤسسات الدولة.
– مهمة الحكومة ومصرف لبنان جعل مهمة المضاربين مستحيلة، وذلك له طريق واحد، العمل لجعل هامش الفارق بين العرض والطلب في سوق الصرف كبيراً لدرجة تصير المضاربة محدودة التأثير، بل مجبرة على الحركة ضمن الهوامش المرسومة وبنسب معقولة، وهذا يعني بلوغ مرحلة يكون الاستيراد فيها بالعملات الصعبة أقل، وتحريك ما يمكن من مصادر لزيادة التحويلات من الخارج، ولأن زيادة الوارد من العملات الصعبة يحتاج خططاً طويلة الأمد فإن تركيز السلطات يجب أن ينصب على تخفيض فاتورة الاستيراد بالعملات الصعبة.
– يشكل سوق المحروقات بيضة القبان في المستوردات التي تستنزف العملات الصعبة، وتفسر السعر المرتفع للدولار في سوق الصرف، وتخفيض فاتورة الاستيراد في سوق المحروقات يعني دراسة سريعة لأربعة محاور للعمل، الأول هو البحث عن مصادر لشراء المحروقات بالليرة اللبنانية، وهنا تمكن الفائدة الكبرى لما فعله حزب الله والاتفاقية مع العراق، وهذا سبب كاف لتشجيع الحزب والعراق على مواصلة هذا الخط وتوسيع نطاقة ما أمكن، والتشجيع ممكن تحت الطاولة إذا كانت الحكومة تخشى إغضاب الأميركيين، والمحور الثاني هو وضع تفعيل وتشغيل أنبوب النفط العراقي الذي يمر عبر سورية ويضخ 400 ألف برميل من النفط الخام يومياً، والإسراع بتطوير وتحسين وضع مصفاة طرابلس بالتوازي، والعروض موجودة، لتأمين حاجات السوق اللبنانية المقدرة بـ150 ألف برميل يومياً من التكرير من دون تكبّد نزف العملات الصعبة، بحيث تغطي حصة لبنان من بيع ما يفيض من النفط العراقي عن حاجة لبنان للمشتقات بعد تكرير 150 ألف برميل، إلى تغطية نسبة كبيرة من قيمة المشتقات التي يحتاجها لبنان من نصيب لبنان من بيع 250 ألف برميل لحساب العراق، أما المحور الثالث فهو الإسراع بخطة للنقل العام يمكن إنجازها خلال شهور، سينتج منها تخفيف الطلب على المشتقات النفطية وتأمين انتقال مريح وآمن ورخيص لأغلب اللبنانيين الذين صار 70 في المئة منهم تحت خط الفقر، على أن يتمّ ذلك بالتوازي مع توحيد سعر بيع المحروقات غير المعومة مع سورية لقطع الطريق على استيراد مخصص لتهريب، لا مصلحة به للبنان وسورية معاً، ويبقى المحور الرابع المتمثل بتنشيط وضع كهرباء لبنان بغير طريق صفقات الفيول التي تدور حولها الكثير من الشبهات، لأن زيادة التغذية الكهربائية يخفف جذرياً الطلب على مازوت المولدات، وهذا هو موقع استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر عبر سورية.
– الجواب على سؤال التحكم بسعر الصرف إيجابي، شرط تحرر الحكومة والسلطات النقدية والمالية من محاباة مافيات النفط التي تستأثر بأكثر من نصف فاتورة الاستيراد، أي بقرابة خمسة إلى ستة مليارات من الدولارات سنوياً، قابلة للتخفيض إلى مليارين فقط، وهذا أكثر من كاف للتحكم بسعر الصرف، وتحديد هامش ضيق لألاعيب المضاربين، وتحجيم حركتهم على ضفاف السعر الموضوعي الذي يحدّده قانون العرض والطلب، ويكفي أن تتذكر الحكومة والسلطات المالية والنقدية أن تخفيض سعر الصرف وتثبيته هو أكبر وأهم معالجة لتآكل القدرة الشرائية للبنانيين، وأن رقم السبعة آلاف ليرة للدولار الواحد ليس مستحيلاً.