لا حكم على الحكومة من الجلسة الأولى
} علي بدر الدين
الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية والخدماتية المتفاقمة، التي تتكدّس على صدور اللبنانيين، وعلى رقابهم، وتضغط على أنفاسهم، والتي تحوّلت إلى كوابيس حقيقية تكاد تخنق الجميع، وحدها كافية لتحفز الحكومة على شدّ أحزمتها ورفع منسوب أفعالها والتقليل من وعودها، وتجنّب الانزلاق الى ملاعب وساحات الذين يحاولون عرقلة مسارها ومسيرها ويتربصون بها، بانتظار سقطة من هنا، أو هفوة من هناك، او تقصير وفشل في مكان ما، للانقضاض عليها و»كربجة» اندفاعها، وتنفيس حماسها لمعالجة ولو القليل من الأزمات والمشكلات الخدماتية المتواضعة، ووفق الدور المرسوم لها قبل ان يداهمها الاستحقاق الانتخابي النيابي، المقرّر مبدئياً في السابع والعشرين من شهر آذار من العام المقبل، بدلاً من موعده الذي كان مقرّراً في الثامن من أيار من العام ذاته.
جلسة الحكومة الأولى، وما ناقشته وما صدر عنها، لم يكن موفقاً، ولا على قدر آمال اللبنانيين المقيمين والمغتربين الذين راهنوا عليها، وانتظروا منها الكثير، وهذا من حقهم، لأنهم عانوا كثيراً من حكومات أخرى سبقت هذه الحكومة، كما من الفراغ الحكومي الذي كان وبالاً عليهم، ولا تزال تداعياته ونتائجه تنغّص عليهم حياتهم، وتحرمهم من أدنى الحقوق والخدمات، وتقضّ مضاجعهم وترسم لهم مستقبلا مجهولاً.
ربما «تقليعة» الجلسة الحكومية الأولى كانت باردة وقد يكون لها ما يبرّر أسبابها وظروفها، ورهبتها عند بعض الوزراء الجدد، الذين يفتقدون إلى الجرأة والخبرة والإقدام على طرح او اقتراح ما لديهم من آراء وافكار ومشاريع، أو أن كانت لجسّ النبض على مستوى الوزراء ومعرفة مدى قدرتهم على اتخاذ القرار والموقف المناسبين، من دون العودة إلى الملقنين من خارج الستارة الحكومية.
الكثير المتوقع من جلسة الحكومة البكر، هو ناتج عن حاجة الشعب اللبناني المسكين إلى إنتاج سريع للحلول والمعالجات والبدائل للقائم الكارثي والمأساوي، على كلّ المستويات وفي كلّ القطاعات والخدمات، وللخلاص من طوابير الذلّ والهوان، ومن الفقر والجوع والبطالة والحرمان والإهمال، الذين تجاوزوا كلّ الحدود، ولم يسبق أن شهدوا مثيلاً لها منذ تشكل النظام السياسي الطائفي والمذهبي رغم كلّ علاته وسيئاته.
ربما كانت الجلسة، مجرد «بروفة» لا يمكن التأسيس ولا التعويل عليها، ولا إصدار حكم مبرم ونهائي بحقها، واعتبارها نموذجاً لعملها المقبل.
ليس المطلوب منها تحقيق المعجزات التي ولت إلى غير رجعة، بل هي مطالبة بالفعل بقدر أعلى وفق الإمكانيات المتاحة، والجرأة في اتخاذ القرارات وتنفيذها، وكسر العصي التي توضع في دواليب عربتها من أيّ مصدر كانت، وعليها مراعاة ظروف الناس الصعبة، وعدم إقحامهم بما ليس لهم فيه علاقة أو قرار، لأنه من الخطأ الواضح والفاضح استمرار تدفيعهم الأثمان الباهظة جراء سياسات ملتوية وخطيرة، أو تحت عناوين وذرائع لتلبية الشروط التعجيزية للمجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي ومجلس الأمن، لأنه سيقضي حتماً على ما تبقى من حقوق للشعب اللبناني الذي تحمّل ولا يزال ما لم يتحمّله شعب على مساحة الكرة الأرضية.
المهمّ، ألا تسقط هذه الحكومة، وأن لا يفقد الشعب الأمل فيها والرهان عليها، ولا يمكن الحكم على ما «أنتجته» جلستها الأولى، ومن المبكر جداً التصويب عليها ورشقها بالحجارة، واتهامها بالفشل والعجز والقصور.
فلتأخذ وقتها رغم ضيقه، والعدّ يبدأ مع جلستها الثانية، لأنّ الاستعجال في إصدار الأحكام بحقها لا ينتج ولا يثمر ولا يخدم، سوى أصحاب المصالح والغايات والمافيات والشبيحة وتجار الاحتكار، وهذا لا يعني، انّ الرأي العام لا يعرف كيف ولدت هذه الحكومة، ومن أيّ رحم سياسي، وكيف توزعت الحصص… أقله إلى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة.
الواقعية السياسية هي المطلوبة في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان، التي تقتضي التعامل مع الحكومة رغم اختلاف بعض الآراء والمواقف حولها…