هل ستكون الانتخابات فرصة لكي يقول الشعب كلمته؟
} علي بدر الدين
نجحت المنظومة السياسية برعاية ودعم دولي وإقليمي في ولادة الحكومة، التي ظلت عصية على المخاضات والمساعي والمبادرات المحلية والخارجية، تارة بذريعة الشروط الدولية، التي أساسها وعنوانها الاستجابة لطلب ولوج الإصلاح الحقيقي من أية حكومة تؤلف، وهذا ما لا تريده أو ترغب به هذه المنظومة، لأنها ستكون حتماً من أولى ضحاياه على ما ارتكبته بحق الوطن والشعب والدولة ومؤسساتها، ولأنها كما اعتادت خلال عقود حكمها، انشغلت بتأمين مصالحها وحماية ثرواتها ومكتسباتها وحصصها، ولاعتقادها بأنّ ما أخذته بقوة السلطة والنفوذ والترهيب والتشبيح والسلبطة، هو غنم لها من «معاركها» التي خاضتها ضد شعبها، الذي عليه أن يبقى أسيراً لها ويتحمّل وحده الغرم «حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا»، وهي على استعداد لـ «القتال» حتى آخر مواطن، والتضحية بكلّ حقوقه المشروعة، التي تكفلها الأنظمة والقوانين وشرعة حقوق الإنسان على الخريطة العالمية، من أجل أن تبقى في السلطة ومهما كلفها الأمر، حتى لو اضطرت للزحف على بطونها، وطأطأة رؤوسها، وتقديم الدولة والشعب لمحاور إقليمية ودولية فاعلة ومؤثرة في المنطقة ولبنان، قرباناً على مذبح التجديد لها في مواقعها السلطوية والأبواب المشرعة لها، هي دائماً الانتخابات النيابية، التي بدأت فعلياً تباشير تلغيمها، عبر الدعوات من غير محور ودولة ومؤسسات رسمية ومدنية دولية ومحلية، لأن تكون شفافة ونزيهة وديمقراطية، وهي مصطلحات تسويقية ممجوجة أكل «الدهر عليها وشرب»، وباتت لازمة لكل استحقاق انتخابي، لأنّ الوقائع الانتخابية على الأرض هي عكس ذلك تماماً، وتفوح منها رائحة الغش والتزوير والرشوة، وكلّ هذه «الموبقات» الانتخابية، إما معلنة وإما ما زالت طي الكتمان خوفاً من «بطش» الطغاة والسلاطين، وأمراء «المافيات» السياسية والسلطوية والمالية والاقتصادية، لكنها مكشوفة ومعروفة تردّدها السنة الناس التي هي «أقلام الحق».
أصبح واضحاً أنّ الطبقة السياسية ومنظومتها وسلطتها وقواها السياسية، المتعددة والمختلفة وهماً، أنزلت حمولة تأليف الحكومة عن أكتافها، وتخلصت من عبء كبير، قضّ مضاجعها وأربكها وكاد يوهنها داخلياً وخارجياً، ويسقطها على أعتاب عدم القدرة، على تأليف الحكومة بسبب طغيان مصالحها وتحاصصها، واعتبارها الشعب مجرد أرقام و»أصوات» تعدّ وتجمع في صناديق الاقتراع، الذي يطرب لها ويرقص ويستنفر، ويحرق الأخضر واليابس، إذا ما نكزه أحد او فئة او مجموعة طائفية أو مذهبية، على أوتار غرائزه وعصبيته وعنصريته، وقوقعته «المقدسة»، و»يفور» كالدبابير التي تلسع كلّ من تصادفها، وهي لا تدري انّ مصيرها الإبادة، وأنها مجرد وسيلة لاستمرار الطغيان والتسلط والاستبداد، والفساد، و»ما حدا قاريها»، يعني «بتروح فرق عملة».
هذه الطبقة تفرّغت، بعد تأليف الحكومة للانتخابات النيابية المقبلة، التي ما زال موعدها يتأرجح بفعل فاعل، ما بين شهري آذار وأيار من العام المقبل (٢٠٢٢)، البعض يعتبر انّ الموعد متقارب، ولا يعدو كونه مجرد تفصيل شكلي لا يقدّم ولا يؤخر، في حين يعتبر البعض الآخر، انّ تقديمه ملغوم وغير بريء، وله خلفيات سياسية ومصالح انتخابية، لها علاقة بالمهل القانونية التي تتيح لموظفي القطاع العام الاستقالة من الوظيفة العامة والترشح للانتخابات، في حين يرى آخرون أنّ الهدف من شدّ الحبال حول الموعد هو تضييق المهل على اقتراع المغتربين تسجيلاً واقتراعاً وترشحاً لانتخاب ستة نواب منهم يمثلون القارات الست.
والقانون الانتخابي الحالي مفصّل على القياس، وسيعيد حتماً معظم القوى السياسية الحالية إلى الحلبة من بوابة مجلس النواب، إلا إذا كان لـ «الشعب» رأي آخر، وقرّر «التصويت» للمحاسبة واستعادة الحقوق والخدمات والأموال المنهوبة والمهرّبة والتدقيق الجنائي، شرط أن يتوافر البديل الكفوء والنزيه والأفضل لمواجهة المنظومة او مجملها التي «عفنت «في السلطة، وترهّلت، وفقدت ثقة شعبها والرأي العام الخارجي، لكنها لا زالت حيوية وطموحة إلى البقاء في السلطة، ما دام الفراغ السياسي التغييري غائباً، او غير قادر على التوافق والانسجام، وعلى الخروج من الـ «أنا» أو القطيع، أو من عقله الخشبي المعطل والموجه باتجاه واحد.
هذا هو حال الشعب اللبناني، الذي «انقطع حيله» مع الطبقة السياسية منذ اتفاق الطائف، التي ربحت كلّ معاركها الانتخابية والسلطوية والسياسية والاقتصادية والمالية٠وأفرغت خزينة الدولة والشعب من المال العام والخاص، واحتكرت كلّ صغيرة وكبيرة، وأفقرته وجوّعته وأذلته، وما زالت تمعن فيه قهراً وقتلاً وتهجيراً وبطالة، وهي تتحضر للانتخابات النيابية في وقاحة غير مسبوقة، من أجل التجديد لنفسها وتسلطها، مع أنّ بعضها يجب أن يكون في مكان آخر يليق به وبتاريخه الأسود وبسجله الحافل بالارتكابات على أنواعها.
من «حق» هذه الطبقة أن تتجبّر وتطغى وتعمل «السبعة وذمتها» ما دامت تلعب وحدها على الحلبة، لا منافس لها، ولا أمل لأيّ منافس بالفوز، لأنهم لا يثقون بأنفسهم ولا يملكون الجرأة والشجاعة والوضوح، وليسوا أصحاب قرار واستقلالية تامة. هذا ما تراه هذه الطبقة بمن يشهر مواقفه وسيفه، ويقبل بالتحدي رغم صعوبته وتعقيداته والفرق الشاسع مع قوى السلطة بالإمكانيات والمال والنفوذ.
لكن على هؤلاء ان يعتبروا انّ الانتخابات فرصة لإثبات الذات وزرع بذور الانتفاضة والتغيير، وليست فرصة للانتظار والرهان على متغيرات وأحداث تبقي القديم على حاله، وهذه مسؤولية شعب بأكمله يُضطهد كل يوم ويحرم من أيّ حق له، ويغرق في الفقر والعوز، وتسرق أمواله في وضح النهار، والسارق معلوم، وعلى هذا الشعب، أن يعيد حساباته في ولاءاته العمياء، وفي ارتهانه وتبعيته ويستفيق من غيبوبته التي طالت كثيراً، ويثبت لنفسه وللآخر، انه شعب حي لا يسكت ولا يغفر لجلاديه، وقد اقترب دق نفير الانتقام، من السياسيين الذين لم يخرج منهم سلطوي او سياسي واحد، يعتذر من شعبه وبيئته، ويعلن توبته، ويسمّي الأشياء بأسمائها، ويتخلى عن سلطة جائرة وسلاطين جائرين.