سورية نقطة البداية ونقطة النهاية
ناصر قنديل
– حاولت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وتلتها إدارة الرئيس جو بايدن، التعامل مع سورية كساحة اشتباك مع روسيا وإيران أو صندوق بريد معهما، لذلك طبعت مواقفها المعلنة من الحرب على سورية بمحاولات إنكار محورية الدور السوري في توازنات المنطقة، فكان الموقف الأميركي إما إيحاء بأنّ الموقف الأميركي من سورية يرتبط بشق داخلي عنوانه الحلّ السياسي، أو الانطلاق من المهم في سورية هو الحضور الروسي والإيراني، لكن الأميركيين يعلمون أنهم عندما قرروا إعلان الحرب بهدف إسقاط سورية وحشدوا لذلك حلفاً قوامه أكثر من مئة دولة، لم تكن روسيا ولا إيران قد انخرطتا بعد في حرب الدفاع عنها ومعها، ويعلمون أنهم عندما فشلوا بالرهان على مسميات المعارضة لم يتورعوا عن فتح الباب لكل شياطين الأرض وحشدوهم كجيش احتياطي للفوز بسورية، وهم اضطروا للاعتراف مراراً بأن تحوّل سورية إلى منطقة نفوذ يتقاسمونها مع حلفائهم، يشكل جواباً كافياً على عناصر تعثر مشروعهم للهيمنة على العالم، فيقطع طريق روسيا والصين وإيران على البحر المتوسط، ولذلك كانت حربهم على سورية أمّ الحروب.
– على رغم الدور المحوري الذي مثلته تركيا كعمق جغرافي ومقدرات اقتصادية وعسكرية، لتكون قاعدة الارتكاز المعتمدة في مشروع إسقاط سورية، وعلى رغم أهمية مناطق شمال سورية اقتصادياً وأمنياً، حيث مصادر الثروة الزراعية الأهمّ، وموارد الطاقة الأكبر، وحيث نواة مشاريع الكانتونات التقسيمية، شرقاً وغرباً، ووجود الاحتلالين الأجنبيّين الأميركي والتركي، يقول التاريخ والجغرافيا إنّ الأردن وجنوب سورية بقيا مفتاحي فهم الحرب وسياقها، فكما كانت بداية الحرب في الجنوب ومن درعا تحديداً، كانت غرفة العمليات الدولية للحرب في الأردن، فجنوب سورية هو الرابط بالعمق العربي حيث العبور من الأردن نحو مصر والخليج، وجنوب سورية هو خط التماس مع كيان الاحتلال الذي يمثل محور الاهتمام الأميركي بالمنطقة، وإذا كانت الاعتبارات اللوجستية قد فرضت موقعاً مميّزاً لتركيا في الحرب، إلا أن الأردن بقي مركز قرار الحرب ومقياس حساباتها العميقة، بمعزل عن الاستخدام التكتيكي للجماعات الكردية، والحسابات التركية القائمة على القلق من العامل الكردي والأطماع المتضمنة للرؤيا العثمانية بالتوازي، بقي المشروع الصافي الذي يستهدف سورية متحرراً من هذه العناصر التكتيكية يجد في الأردن قاعدته الأصلية.
– على الرغم من هوامش الحركة التي يمكن لأي حكم يصنف في دائرة حلفاء واشنطن في المنطقة، فإن هذه الهوامش لا يمكن أن تشمل الأردن في التعامل مع سورية، فالأردن أكثر كيانات المنطقة اعتماداً على المساعدات الاقتصادية والحماية الأميركية، والحرب على سورية قرار أميركي، وحدود الأردن وكيفية توظيفها وتوظيف الجوار الأردني لسورية في هذه الحرب عوامل تتقرر في واشنطن وفقاً لمقتضيات المضي بالحرب أو إعلان الخروج منها، لدرجة يمكن اعتبار البقاء العسكري الأميركي في سورية أو زواله، تعبيراً أقل أهمية من الموقف الأردني في فهم وتفسير الموقف الأميركي، كذلك فإن الشمال السوري في الحسابات الأميركية يبقى تكتيكياً بالنسبة لأهمية الجنوب الاستراتيجية، حيث أمن كيان الاحتلال، أي محور الاهتمام الأميركي الحقيقي في مرحلة ما بعد الانسحاب وما بعد الحرب.
– الرهان على مقايضة رفع العقوبات بأثمان سياسية، كالرهان على مقايضة الانسحاب بأثمان أمنية، لكن هذين العاملين يبقيان تعبيراً عن وجهة لا تفسر قرار المضي بالحرب أو التراجع عنها كخيار، فتلك مسألة يعبر عنها الجنوب السوري والموقف الأردني تجاه الدولة السورية، فالانتقال من الحرب إلى السياسة يجدان الترجمة المباشرة في كيف تتعامل واشنطن مع حرب الجنوب، وكيف يتعامل الأردن مع الدولة السورية، وما شهدناه خلال الشهر الفائت، يؤكد مقولة كان يشرح أبعادها الجنرال الشهيد قاسم سليماني، تقوم على رصد الحركة الأميركية في جنوب سورية، ورصد الموقف الأردني كمؤشرين حاسمين على وجهة الحرب، وما جرى خلال الأيام الماضية، على هذين الصعيدين، كاف للقول إن الحرب على سورية تضع أوزارها، وإن سورية تدخل مسار التعافي على قاعدة النصر الحاسم.
– الحسم في درعا وعبرها في سائر الجنوب، وتدحرج المواقف الأردنية تجاه سورية وصولاً للاتصال الذي جمع الرئيس بشار الأسد بالملك عبدالله الثاني، لإعلان واضح بأنه بقدر ما كانت الحرب على سورية بداية الزلزال الذي عصف بالمنطقة فهي خاتمته، وبقدر ما كان الجنوب السوري والتموضع الأردني علامتين على تقدم مشروع الحرب فإن الحسم في الجنوب والتموضع الأردني على خط العلاقات بسورية، أصدق من كل بيانات الخارجية الأميركية حول أن الموقف من العلاقة بسورية لم يتغير.