السلطة لصندوق النقد الدولي قبل التفاوض معه… «سمعاً وطاعة»
} علي بدر الدين
دخل لبنان فعلياً في مرحلة التعقيدات والصعوبات والمخاضات العسيرة وربما الضياع، على وقع التدخلات الخارجية والتداخلات المحلية والإقليمية والعربية والدولية، في كل قضاياه وشؤونه السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والسلطوية، بعد أن كشفت الطبقة السياسية كلّ مستور فيه، وكلّ صغيرة وكبيرة، أمام دول العالم، الفاعلة والمؤثرة والطامعة والطامحة لموقع ودور وهيمنة، وقد عرّته من قراره وسيادته واستقلاله، وسلبته مقدراته وأمواله العامة والخاصة، وقضت على حاضره ومستقبله وكينونته، من أجل أن تبقى متسيّدة ومتسلطة ومستبدة، لتحقيق مصالحها الخاصة وحماية ثرواتها المكدّسة ومكتسباتها وغنائمها، التي لا يمكن التخلي عنها تحت أيّ ظرف او عنوان، أو اية مصلحة وطنية، وعلى حساب الشعب اللبناني الذي أصبح هامشياً ومهمّشاً وفقيراً وجائعاً وعاطلاً من العمل وضائعاً وتائهاً في المجهول يبحث عن طوق نجاته وعن سلامه واستقراره من دون طائل، بعد أن سلخت جلده و»زلطته» من كلّ مقوّمات الحياة الكريمة بحدها الأدنى، من دون رأفة او رحمة، ورمته على قارعة طرق تقاطع أو تضارب المصالح والتسويات الإقليمية والدولية، وأدخلت البلد في متاهات الفراغ والانتظار إلى حين يأتي الفرج المرتقب، وقد لا يأتي أبداً، ما دامت هذه الطبقة بكلّ أفرقائها ومنظومتها وسلطتها ممعنة في سلوكها السياسي والاقتصادي والمالي السيّئ والمدمّر، وفي رهانها على الخارج، وما تقرّره لها دوله الخارج ومعها صندوق النقد الدولي، وكأنّ هؤلاء جمعيات خيرية وإنسانية يبحثون عن الدول المنهارة وشعوبها الفقيرة ليجمعوا لها التبرعات ويقدّموا لها المساعدات والقروض لوجه الله.
إنّ لبنان سقط عملياً في المحظور والمجهول والمهوار، وعملية انتشاله وإنقاذه تحتاج إلى معجزة ولى زمانها والمراهنة عليها.
إنّ هذا الإنقاذ بعيد التحقق حالياً في ظلّ مواصلة الطبقة السياسية منذ ثلاثة عقود، نهجها الإفسادي والتحاصصي، الذي كان ولا يزال وبالاً على اللبنانيين، وأوصل البلاد والعباد إلى المهاوي والانهيارات المتتالية على غير مستوى اقتصادي ومالي واجتماعي ومعيشي وخدماتي، ولم تعد تصلح لقيادة سفينة الوطن والحكم، مهما حاولت تبييض سجلاتها السوداء، وادّعت الحرص والوطنية والاستجابة للقرارات الدولية ولشروط صندوق النقد الدولي، الذي لن يكون مؤسسة «كاريتاس» لأنّ الأثمان ستكون باهظة جداً، وبما أنّ الحابل اختلط بالنابل، وتداخلت كل القضايا دفعة واحدة للبحث عن مخارج إنقاذية للبلد، وتكاثر الطباخون الذين يأتون من كلّ الجهات، من دون ان يظهر في الأفق القريب أو البعيد ما يوحي بأنّ طاقة الفرج فتحت للصدمات الإيجابية، وأنّ الدول الصديقة والشقيقة والقريبة والبعيدة، ما زالت في بداية طريق المصالحات والتسويات، وأن امامها ما يكفي من العقد المعرقلة قبل الوصول إلى لبنان وماذا عليه أن يدفعه ويحصده من نتائج «معمعات» المصالحات واللقاءات والأجندات والمصالح.
على السلطة السياسية، التي أنجبت حكومة «معاً للإنقاذ»، ان تساعدها وتنزع فتائل مصالحها وأفخاخها من طريقها، أقله لوقف الإنهيارات، ورفع البلاء والغلاء وكوابيس طوابير الذلّ عن رقابها التي قاربت مقصلة الإعدام والخروج من فسادها وتحاصصها، والاكتفاء بما سرقته من أموال منقولة وغير منقولة، تكفيها وأولادها وأحفادها وأجيالها المتعاقبة لقرون من الزمن، مع أنّ هذا الطلب لن يتحقق أبداً…
ليس من الثابت والمؤكد، انّ «المجتمع الدولي» بكلّ مسمّياته، سيساهم في إنقاذ لبنان، كرمى لعيون أحد، وهو أساساً ليس في وارد إحداث تغيير فعلي فيه، خاصة أنّ رهانه لا يزال على الطبقة السياسية والمالية والسلطوية نفسها، و»بيضاته» في سللها، ولم يشأ ولا يريد إزاحتها عن السلطة لا بالعقوبات كما هدّد مراراً وتكراراً في الإعلام، ولا بالانتخابات النيابية المقبلة، لأنه هو من أنتجها وحماها وجدّد شبابها لاستمرار ثباتها في السلطة، ولا يزال يمسك يدها كلما اهتزت فرائصها، لأنها ظلت أمينة ووفية لمشغليها، على حساب الوطن والشعب والدولة والمؤسسات، وبدأت بتنفيذ مطالب صندوق النقد الدولي وشروطه حتى قبل التفاوض معه، فحرّرت ومن دون إقرار سعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية، ورفعت الدعم عن المحروقات وعن السلع والمواد الغذائية الضرورية و»فلتت» سوق الدواء للشركات الحصرية ولتجار الجشع والاحتكار، وتتوعّد برفع الدعم عن الكهرباء والاتصالات الخاصة والعامة، هذا يعني أنها سلمت أوراق اعتمادها هذه المرة علناً، ومن بعدها فليحصل الطوفان، وليذهب البلد والدولة والشعب إلى جحيم جهنم وبئس المصير، المهمّ ان تنجو هي بريشها وجلدها وتبقى عند حسن ظنّ من تربّت على أياديهم وتحظى بحمايتهم، حتى يستفيق الشعب من غيبوبته التي طالت كثيراً، على أمل ان يتحوّل إلى طائر فينيق جديد.