هل يتحقق حلم الشعب ويأتي الإنقاذ قبل فوات الأوان؟
} علي بدر الدين
يُروى أنّ أحد ملوك الزمن الغابر، يحكم مملكة صغيرة، وكان يُطلق عليه «الملك العادل بالحق»، لأنه حريصاً جداً على توفير الحياة الكريمة لشعبه، من خلال الاعتماد الكلي على اقتصاد الاكتفاء الذاتي للمملكة، وفي يوم مشؤوم حصل إعصار كبير، دمّر الكثير من إنتاجها واقتصادها، وانعكس سلباً على شعبها الذي كان مكتفياً ومرتاحاً في معيشته.
إقترح عليه أحد مستشاريه المخلصين طلب المساعدة العاجلة من سلطنة مجاورة للمملكة، عبر قروض طويلة الأمد، لتمويل بعض المشاريع المنتجة لإعادة تقوية اقتصادها وإعمار ما دمّره الإعصار، لكن الملك رفض الاقتراح، وقال لمستشاره: «لا استقراض ولا ديون»، وتوجّه إلى شعبه بخطاب أكد فيه أنه لن يقترض من السلطنة المجاورة ولا من غيرها، حتى لو متنا جميعاً، والحلّ موجود لدينا، يكمن في بيع بعض الخيول وعندنا منها الكثير، ونضع ثمنها في خزينة المملكة، ونخفض رواتب الوزراء والنواب والمستشارين، بحيث تتساوى مع دخل الفرد لعامة الشعب، ونلغي العلاوات والحوافز والمكافآت لكلّ المسؤولين، وتكاليف المهام الإضافية والسفرات، التي تستوجب مخصصات مالية، مملكتنا وشعبنا أحوج ما يكون اليها في هذه الأزمة، ونلغي الضرائب على محدودي الدخل، ونضرب بيد من حديد أية محاولة لتخريب الاقتصاد، وسنقطع يد كلّ فاسد أياً كان، ونمنع التعامل بالنقد الأجنبي.
نفذ الملك ما تضمّنه خطابه بحذافيره، وبدأ اقتصاد المملكة بالتحسّن التدريجي، وانعكس إيجاباً على الأوضاع المالية والاجتماعية والمعيشية للشعب، ولأنه كان صادقاً مع شعبه تجاوب الشعب مع قراراته وإجراءاته، ولم يلجأ إلى أساليب احتيالية وألاعيب مشبوهة (كما يفعلون في بلدنا) لتخريب مملكتهم، ولم ينغمسوا في الفساد والمحاصصة والاحتكار، كما فعل ثلث الشعب في لبنان وفق دراسات نشرت خاصة في مادة البنزين، والذي سار على نهج مسؤوليه وملوكه وسلاطينه، في تدمير الاقتصاد وإفلاس خزينة الدولة، وتراكم الديون الداخلية والخارجية، ونهب الأموال العامة والخاصة، وفي تعميم الفساد الذي نخر هيكل الدولة ومؤسساتها، وتحويلة إلى «ثقافة» عامة او»شطارة»، ما أدى إلى انهيارات متتالية في كلّ القطاعات الاقتصادية والمالية، وانعدام الخدمات العامة، وهبوط القيمة الشرائية للعملة الوطنية، واستبدالها بالنقد الأجنبي، لتحلّ اللعنة على لبنان وشعبه واقتصاده وماليته وخدماته، والسقوط الجماعي في الهاوية، الذي لم يأت من عدم أو بالصدفة أو بفعل غضب الطبيعة، بل بقرار وإصرار طبقة سياسية ومالية فاسدة، تحكمه منذ أكثر من ثلاثين سنة متواصلة ومن دون انقطاع، حيث هو يغرق وهي تعوم، هو ينهار على كلّ المستويات وهي تجدّد نفسها وتمعن في فسادها، هو يفلس وهي تثرى وتتراكم ثرواتها، الشعب يفقر وتنتفخ بطونه من الجوع، وبطونها تتخم من الأكل ولا تشبع، هو محروم من الكهرباء والبنزين والمازوت والدواء والغذاء والرغيف، وهي لا تعاني، بل تعيش الرخاء والبحبوحة والثراء الفاحش، وعلى نور الكهرباء ٢٤ على ٢٤، وأساطيل سياراتها تفيض بالبنزين، ومكيّفاتها لا تنطفئ…!
رغم الفرق الشاسع بين معيشتها وموت شعبها، وهي التي كانت ولا تزال سبباً أساسياً في قهره وإذلاله وسلبه حقوقه، وإفراغ خزينة الدولة، والسطو على أمواله المودَعة في المصارف اللبنانية، فإنها لا تشغل نفسها للبحث عن حلول إنقاذية، تخرج الشعب أقله الذي لا يزال على «قيد الحياة»، من حاله الكارثية والمأساوية التي أوصلته إليها، فإنها تطلب المساعدات والقروض والهبات، من دول خارجية، مع انها تعلم جيداً أنها بفعلتها هذه، ترهن لبنان القرار والسيادة والاستقلال، إلى هذا الخارج المجرّب الذي لا يرحم، ولا يساوم على مصالحه ومنافعه وشروطه، مع أنها لو كانت تقرأ، او كانت حريصة وصادقة، لكانت فعلت، كما فعل «الملك العادل» واعتمدت نهجه وحكمته، ورفضت الاستقراض من ايّ دولة لو ماتت جوعاً، ولديها الكثير لتفعله لإنقاذ الوطن والشعب، وننصحها بقراءة برنامج هذا الملك الإنقاذي قبل فوات الأوان، ولا يزال في الأفق متسع من الوقت، إذا ما أرادت، ولكن «فاقد الشيء لا يعطيه» وهي على استعداد لقتل هذا الملك إذا كان بينها، لأنه سيخرّب عليها فسادها وجشعها وطمعها وعشقها للسلطة والمال.
هل يحلم الشعب اللبناني المسكين، بملك مماثل ولو طال الانتظار لينقذه من هذه الطبقة قبل الإجهاز عليه، ورميه خارج المكان والزمان؟