العروض الإيرانية بالليرة اللبنانية فمن ينافس؟
ناصر قنديل
– لا يحتاج الأمر إلى تحليل ونقاش لاستنتاج محورية قطاع الكهرباء في أزمة لبنان المالية، فأزمة المازوت هي فرع من أزمة الكهرباء، ومتى توافرت الكهرباء تراجعت الحاجة للمازوت إلى أقل من الربع، وتأمين الكهرباء يستدعي زيادة الإنتاج، وهذا يتطلب تمويلاً لإنشاء المعامل ومثله لتشغيلها، ومن دون زيادة الإنتاج فإن تشغيل المعامل القائمة يستدعي توفير الوقود اللازم، وهذا يحتاج للتمويل، والتمويل بالعملات الصعبة، والدولة ومصرفها المركزي لم يعد لديهما القدرة على تأمين هذا التمويل، وشراء العملات الصعبة من السوق سيرفع سعر الصرف ويدفع بالدولار إلى أسعار مقلقة تعني مزيداً من الانهيار، والذهاب لتمويل عبر القروض بلا أفق، لأنه تراكم لديون لا يملك لبنان جواباً عن كيفية سدادها، وعندما يجري البحث بتمويل معامل جديدة من قروض خارجية سواء عبر صندوق النقد الدولي أو سواه، مهما كانت ميسرة ومؤخرة، تبقى كلفة التشغيل بقروض كمثل قرض البنك الدولي المفترض لتمويل استجرار الغاز المصري وشراء الكهرباء من الأردن، وهي قروض قد تتوافر لجزء من الحاجة وجزء من الوقت، لكنها لن تتوافر لكل الحاجة وكل الوقت.
– أمام لبنان طريق وحيد لتفادي السقوط، وهو أن يحصل على وقود التشغيل بطريق يشبه المساعدة العراقية، ولا يبدو أن الحكومات العربية الأخرى التي تملك قدرات نفطية جاهزة للسير على خطى العراق، لكن إيران سبقت الجميع وقالت بلسان مسؤوليها مراراً، وكرر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله التأكيد على جاهزية إيران لتأمين المحروقات التي يحتاجها لبنان، بما فيها وقود تشغيل معامل الكهرباء بالليرة اللبنانية، وهذا العرض الذي لم يلق الاهتمام اللازم تحول إلى مبادرة مباشرة من حزب الله بجلب سفن كسر الحصار، التي قدمت حلاً لجانب من أزمة فقدان المازوت من الأسواق، وأصابت سلم تسعير الاحتكارات التي فرضت معادلات تتحكم بموجبها بالتسعير والسوق، وإذا كانت معامل توليد الكهرباء التي يسعى لبنان لتأمينها تحت شعار زيادة التغذية ثم زيادة التعرفة، لوضع حد لخسائر كهرباء لبنان، فهذا يستدعي ربط التعرفة الجديدة للكهرباء بسعر الدولار، الذي سيضرب سقوفاً قياسية إذا بقي تأمين الوقود اللازم للتشغيل مرتبطاً بتمويل يعتمد على شراء الدولارات من السوق، وهذا يعني الانتقال “من تحت الدلف لتحت المزراب”.
– خيار لبنان الوحيد الإنقاذي الذي ربما لا ينتبه له المسؤولون، أو يخافون أن ينتبهوا له، هو أن يكون لدى لبنان من يزوده بالوقود اللازم لتشغيل معامل الكهرباء بالليرة اللبنانية، فذلك هو الطريق الوحيد الذي يمنع إسهام الطلب على الدولارات اللازمة لشراء الوقود في التسبب برفع متواصل لسعر الصرف وبالتالي سعر التعرفة، وصولاً لحد الانفجار، وتأمين الوقود بالليرة اللبنانية يقع في صلب العروض الإيرانية المتكررة، والعرض الذي أعاد تقديمه وزير الخارجية الإيراني حول بناء معامل الكهرباء يستحق من يناقش تفاصيله مع الجانب الإيراني، لأن لا نقاش حول الجوانب التقنية وأهلية الشركات الإيرانية وقد قامت بإنهاض قطاع الكهرباء في بلادها، وصولاً لتحقيق فائض تبيعه إيران لباكستان والعراق وعدد من دول آسيا الوسطى، وحالياً لأفغانستان وفقاً للتفاهم الجديد بين الحكومتين الإيرانية والأفغانية، ومسؤولية الحكومة اللبنانية كبيرة اليوم في أن تحمل العرض الإيراني بمضمونه التفصيلي لجهة الاعتماد على تمويل بالليرة اللبنانية، وأن تذهب للمعترضين داخلياً وخارجياً وتقول إنه الحل الوحيد الذي يناسب لبنان، وعلى من يعترض أو يرفض أو يهدد بعقوبات أن يقول لا تشتروا من إيران فنحن جاهزون لتزويدكم بالمثل بذات الشروط والأسعار وبالتسعير بالليرة اللبنانية، وما لم نحصل على مثيل فالأمر يستحق المخاطرة بالتعرض للعقوبات، لأنه طريق وحيد لعدم الانهيار، فما نفع الموت وأنت غير معاقب طالما أمامك فرصة العيش ولتكن معاقباً، وعندها تعرف العدو من الصديق.
– تجربة سفن كسر الحصار تقول إن حكومة تملك بعض الشجاعة تستطيع أن تستفيد من العروض الإيرانية لتحفيز الآخرين لعروض مقابلة، أو على الأقل للاستثناء من العقوبات.