مروحة الصراع الإيراني ـ «الإسرائيلي» تتسع جغرافياً… تهديدات جيوسياسية
} د. حسن مرهج
«إيران وتحركاتها وسياساتها في المستويات كافة، موضع مراقبة حثيثة من قبل الإسرائيليين»؛ هذه المقاربة تنطوي على جملة من التحديات والتعقيدات، والتي لا تبتعد عن عمق التحوّلات في عموم المنطقة، فضلاً عن ذلك، فإنّ التطورات قرب الحدود الإيرانية الأذرية، كانت ولا تزال، تحت المجهر «الإسرائيلي»، إذ تراقب المحافل الأمنية والعسكرية «الإسرائيلية»، التوترات المتصاعدة بين إيران وأذربيجان، خاصة أنّ لتلك التطورات، تأثيراً مباشراً على «إسرائيل»، ليس من باب التدريبات العسكرية التي تجربها إيران، على حدودها الطويلة مع أذربيجان، والتي تزيد مخاوف الأذريين، بل يُضاف إلى ذلك، حجم الهواجس «الإسرائيلية» والذي ترجم من خلال تزايد التواجد «الإسرائيلي»، في عموم مناطق القوقاز، وتحديداً أذربيجان حليفة «إسرائيل» الاستراتيجية.
في المواقف المنضوية على التطورات قرب الحدود الإيرانية الأذرية، والوجود «الإسرائيلي» في تلك المنطقة، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للصحافيين، في زيارته الأخيرة إلى موسكو «لن نتسامح بكلّ تأكيد مع أيّ تغيير جيوسياسي وفي خارطة القوقاز، ولدينا مخاوف جدية حيال تواجد الإرهابيين و»الإسرائيليين» في هذه المنطقة»، ولعلّ ما لفت انتباه «الإسرائيليين»، التسمية التي أطلقتها طهران على مناوراتها العسكرية على حدود باكو باسم «فتح خيبر»، باعتبار أنها «لن تسمح لإسرائيل بالوصول إلى حدودها»، مما يعني أنّ المخابرات الإيرانية وعملياتها الميدانية تأخذ السياق «الإسرائيلي» بعين الاعتبار، لا سيما بعد اغتيال رئيس البرنامج النووي محسن فخري زاده، وإحضار الأرشيف النووي الإيراني لـ «إسرائيل» من قلب طهران، وسلسلة التفجيرات في مراكز تطوير المشروع النووي.
حقيقة الأمر، أنّ الحدود الطويلة بين إيران وأذربيجان، والتي تصل إلى ما يقارب 900 كيلومتر، تفرض على إيران تعاطياً مختلفاً، لجهة قراءة التواجد «الإسرائيلي» في تلك المنطقة، وقد تكون شكوك طهران لها أساس واقعي، فهي غالباً ما كانت تقع شكوكها على عاتق باكو، مما يسمح برأي الإيرانيين للقيام بنشاط مكثف على حدود البلدين، وما زاد في شكوك إيران، أنّ شركة صناعة طائرات بدون طيار افتتحت مصنعاً ضخماً على أراضي أذربيجان، وهي أصلاً تصنع في «إسرائيل» من قبل شركة «ألبيت»، ورغم أنّ وراء هذه التدريبات العسكرية يكمن دافع آخر ذو طابع اقتصادي، وهو أمر مؤلم للغاية لإيران، فقد تمّ تخفيض شحنات النفط المستمرة إلى أرمينيا، وبحسب التقارير الواردة في إيران، بدأت السلطات الأذربيجانية في الآونة الأخيرة بفرض ضرائب باهظة على هذه الناقلات، بل أعادت بعضها للأراضي الإيرانية.
وفي غمرة هذا التشابك الإقليمي، وهذه التطورات، تجد تركيا حليفة أذربيجان و»إسرائيل»، نفسها جزءاً من ذات النزاع القائم، بعد أن عرضت مؤخراً عضلاتها أمام الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وتقدمت في الأيام الأخيرة بقواتها للحدود مع إيران، وجاءت هذه الرسالة واضحة تماماً مثل دعمها للحرب الأذرية في ناغورنو قره باغ، وفي هذه الحالة، وعند نشوب أي مواجهة مستقبلية بين أذربيجان وإيران، ربما لن تتردّد تركيا في دعم الرئيس إلهام علييف مرة أخرى.
«إسرائيل» من جهتها، تحافظ حتى هذه المرحلة من التوتر، على مسافة آمنة، لكنها بالتأكيد تتابع التحركات الإيرانية، لكن الواقع القائم يشير إلى التعاون بين «إسرائيل» وأذربيجان والولايات المتحدة، في حين أنّ السفارة «الإسرائيلية» في باكو على دراية جيدة بما يحدث في إيران.
في جانب موازٕ، فإنّ السياسة الإقليمية الإيرانية تعد أحد الموضوعات المركزية على جدول أعمال الجولة المقبلة من الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة و»إسرائيل»، في واشنطن، وفي عشية المحادثات التي جرت في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول، بين مساعد الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان ونظيره «الإسرائيلي» إيال حولاتا، أعلنت «إسرائيل» الكشف عن مؤامرة أخرى ضدّ مستوطنيها، وبحسب الرواية «الإسرائيلية»، فإنّ إيران حاولت تنظيم هجمات على ممثلي مجتمع الأعمال «الإسرائيلي» في قبرص، الأمر الذي قرأه مراقبون، ضمن إطار اتساع جغرافية المواجهة بين إيران و»إسرائيل».
ومن المهمّ أن نذكر ما قالته قناة Iran International المعارضة، لنستشفّ أبعاد المواجهة الحالية بين إيران و»إسرائيل»، فقد ذكّرت القناة السابقة، بأحداث العام 2012، عندما واجهت طهران سلسلة من الاتهامات بتنظيم شنّ هجمات على «إسرائيليين» في أذربيجان وبلغاريا وجورجيا والهند وكينيا وتايلاند وقبرص، وسرت تكهّنات بأنّ النشاط الإيراني في تلك السنوات كان رداً على الهجمات التي تعرّض لها علماء نوويون في الجمهورية الإسلامية، ونظمها عناصر الموساد، وتصفية القائد في حزب الله الحاج عماد مغنية.
في عمق ما سبق، وفي سياق التطورات الحالية، فإنّ إيران تجد نفسها اليوم في زاوية الدفاع عن نفسها، فالمنشآت النووية بالجمهورية الإسلامية، لا تزال تتعرّض لانفجارات غريبة، وقد قتل العالم النووي المؤثر محسن فخري زاده على يد الأجهزة «الإسرائيلية» الخاصة العام الماضي، لكن، كما تقول صحيفة «هآرتس الإسرائيلية»، من نواحٍ عديدة، فسلطات الدولة اليهودية نفسها تخدم التصعيد، فهي تناقش علناً بعض تفاصيل عمليات الموساد من أجل تحقيق أهداف سياسية.
ختاماً، من الواضح أنّ واشنطن وأدواتها في المنطقة، يهندسون معادلة استفزاز جديدة ضدّ طهران، سواء في الداخل الإيراني، أو لجهة حدود إيران في العراق وأذربيجان، الأمر الذي يؤكد، بأنّ هناك تصعيداً ممنهجاً ومدروساً تجاه إيران، رغبة من واشنطن لإجبار إيران على تغيير سياستها في عموم المنطقة، ودفعها لتقديم تنازلات في عموم ملفات وأوراق الشرق الأوسط، وتبقى الأيام المقبلة حبلى بالمزيد من التطورات، والتي يبدو أنها ذاهبة باتجاه التصعيد، لكن تبقى إيران خبيرة استثمار التصعيد والاستفزازات ضدّها.